لا شك أن تكوين بدايات شخصية الإنسان تكمن في طفولته، وما للطفولة من اثر في باقي حياته، وعلى ذلك فإن الطفولة من أهم المراحل التي ينمو فيها الشخص نفسيا، فإنها تشكل حجر الأساس في تكوين شخصية الأطفال وإذا تم بناءها بشكل صحيح ولسيم فسوف ينتج عن ذلك الشخص المثالي والسوي الذي يستطيع ان يواجه الصعوبات التي تقابله في الحياة بكل ثبات. ومن هذا المنطلق فإنني في هذا البحث سوف أناقش مشكلة نفسية تنشأ عند الاطفال، وهي مشكلة الغيرة عند الأطفال، حيث أوضح أسباب الغيرة عند الأطفال وسبل الوقاية منها وكيفية علاجها في حالة حدوثها، حيث أن هذه المشكلة يتعامل معها الوالدان بطريقة خاطئة في أغلب الأحيان، وهذه المعاملة تؤثر سلبياً على شخصية الأطفال، حيث أن نتائجها السلبية تظهر في مراحل متأخر من عمرهم.
تعريف الغيرة عند الأطفال:
هي العامل المشترك في الكثير من المشكلات النفسية التي يتعرض لها الأطفال، والمقصود بها الغيرة المرضية التي تكون مدمرة بالنسبة الى الطفل، والتي قد تكون سبب في احباط الطفل وتعرضه الى الكثير من المشكلات النفسية الأخرى.
فإن الغيرة تعرف بأنها: أحدى المشاعر الطبيعية التي يشعر بها الإنسان، والتي يحب أن تقبله الأسرة كحقيقة واقعة وفي نفس الوقت لا تسمح الأسرة بنموها، حيث أن قليل من الغيرة يفيد الإنسان في حياته حيث تعمل بدور الحافز على التفوق، ولكن الكثير منها يؤدي الى فساد حياة الطفل ويصيب شخصيته بأضرار بالغة، فإن السلوك العدواني والأنانية والارتباك هي مشكلات تنبع من آثار الغيرة على سلوك الأطفال.
ويعرفها الباحث مصطفى عبد المعطي على أنها: الغيرة تجربة انفعالية تكاد تكون عامة بين جميع الأطفال، وهي حالة انفعالية داخلية، لها مظاهر خارجية يمكن الاستدلال منها على المشاعر الداخلية، وهي العامل المشترك في الكثير من المشكلات النفسية عند الأطفال.
ويعرفها ايضا الباحث عثمان نجاتي بأنها: الغيرة انفعال مكدر بغيض يشهر به الطفل عادة إذا شعر أن الشخص المحبوب يوجه انتباهه أو حبه إلى شخص غيره، ومن أنواعها الشائعة ما يحدث بين الأخوة، إذا ما شعر أحدهم بأن والديه أو احدهم يحب أخواته أكثر منه.
وانطلاقاً مما سبق يمكن القوى بأن الغيرة هي عبارة عن انفعال داخلي وله مظاهر خارجية يستثار عند الطفل من طرف الآخرين، وهي شعور مصاحب للخوف والغضب والتهديد في حياة الطفل.
دراسات سابقة عن الغيرة عند الأطفال:
1- دراسة الباحثة: عزة حسين زكي (1985م):
هذه الدراسة بعنوان "المشكلات السلوكية التي يعاني منها الأطفال في المرحلة الابتدائية المحرومين وغير المحرومين من الرعاية الوالدية"، حيث تناولت الباحثة في دراستها المشكلات السلوكية التي يعاني منها أطفال المرحلة الابتدائية المحرومين وغير المحرومين من الرعاية الوالدية، وقد أظهرت أن العدوان هي المشكلة الأولى التي يعاني منه أطفال القرى من وجهة نظرهم، بينما كانت الأنانية والشعور بالقلق وعدم الاستقرار هي المشكلة الأولى لدى الأطفال من وجهة نظر الأمهات البديلات، وكان ترتيب المشكلات لدى اطفال القرى كما يلي: الخوف من المدرسين، الانغماس في الخيال والاكتئاب، الشعور بالعجز، والغيرة، وكانت هذه المشكلات شائعة بين الذكور والاناث.
أسباب الغيرة عند الأطفال:
هناك أسباب كثير تؤدي بالأطفال الى الشعور بالغيرة، ولعل من أهم هذه الأسباب ما يلي:
1- فقدان ما كان يحصل عليه الطفل أو جزء منه حيث أن الطفل يستجاب في العادة الى جميع متطلباته وحاجاته ويستدعي في العادة انتباه الجميع وكأن كل شيء له فقط، وفجأة قد ينحسر عنه ويفقد كل ذلك أو تدريجيا كلما تقدم في العمر ونما، وذلك ما يشعر الطفل بالقلق الشديد، ويفقده الثقة في نفسه ، ويشعر بالكراهية والغير من الآخرين.
2- الاستعدادات النفسية للطفل حيث إن الشعور بالغيرة عبارة عن مجموعة من الاستعدادات النفسية مناه الشعور بالنقص والاتكالية والقلق والشعور بالذنب والعداوة، مما يدفع بالطفل الى الغيرة من الآخرين.
3- ولادة طفل جديد في الأسرة: فإن الطفل بطبعه يميل الى أن يكون الوحيد في موضع اهتمام الوالدين ورعايتهم وحبهم، وعند ولادة طفل جديد يحدث العكس ويهتموا بالمولود الجديد وهو ما يجعل الطفل يحرم من هذا الاهتمام من والديه، ويولد لديه الغيرة من أخيه.
4- استخدام الأهل للعقاب الطفل جسديا بالضرب عند إظهار غيرته نحو أخيه مما يزيد من مشاعر الطفل السلبية بصور معاديه لأخوة.
5- رغبة الطفل في الاستحواذ على القدر الأكبر من عناية الوالدين بسبب الأنانية.
6- الدخل الاقتصادي للأسرة والظروف الاقتصادية حيث بعض الأسر ذات دخل منخفض أو شديدة البخل على أبنائها مقارنة بالأسر الأخرى مما ينمو لدى الطفل بذور الغيرة نتيجة عدم حصوله على ما يريد من أسرته.
الأثار السلبية للغيرة عند الأطفال:
هناك العديد من الآثار السلبية التي تلحق بالطفل عندما يشعر بالغيرة ومن مظاهر هذه الآثار السلبية التي يعبر بها الطفل عن مشاعر غيرته التي يشعر بها منها:
1- عبث الطفل بأغراض الآخرين أو سرقتها أو تدميرها مع الصراخ المستمر.
2- القيام بالاعتداء الجنسي بالضرب أو القرص.
3- القاء الطفل للشتائم وإقلاق الراحة.
4- وعند تجاوز الطفل لسن العاشرة تظهر مشاعر الغيرة على شكل التجسس والإيقاع بالآخرين.
5- تصنع الطفل الحب الزائد نحو الطفل الجديد لإخفاء مشاعر الغيرة الدفينة.
6- عند أتاحه الفرصة للطفل الغيور لإيذاء أخيه بالضرب أو بالعض فسيقوم بها.
علاج مشكلة الغيرة عند الأطفال:
1- يجب زرع الثقة بالنفس لدى الطفل والعمل على تشجيعه على النجاح وتعليمه بأنه إذا فشل في عمل ما فإنه سينجح في أمر آخر.
2- يجب تجنب عقاب الطفل أو المقارنة بينه وبين أصدقائه أو مع اخواته أو اظهار جوانب ضعفه وعجزه لأن المقارنة مع غيره تصنع شعور الغيرة داخل الأطفال وتبعده عن موقع المنافسة العادلة.
3- يجب على الوالدين أن يعلموا جيداً أن هناك فروق فردية بين الأفراد.
4- لابد أن نزوع في الأطفال حب المنافسة الشريفة وأن يؤمنوا بأن الفشل هو ليس نهاية المطاف بينما هو الذي يقود الفرد الى النجاح.
5- يجب تشجيع الأطفال على التعبير عن انفعالاتهم بشكل متزن.
6- يجب اشعار الأطفال بأنهم مقبولين بما فيهم من عيوب لدى اسرهم وأن تفوق الآخرين عليهم لا يعني التقليل من حب الأسرة لهم.
7- على الأسرة إذا زرقت بمولود جديد ولاحظت غيرة أي من الأطفال منه فلابد أن يشركوه في العناية بهذا المولود الجديد، ويجب الثناء عليه واشعاره بالمسؤولية ومراقبته عن بعد، وعدم اظهار الاهتمام بالطفل الجديد حتى لا يشعر بالغيرة منه.
الخاتمة:
في نهاية البحث استطيع أن أقول إن كثرة الأولاد ليست سبباً في شجار الأخوة فيما بينهم كما تعتقد بعض الأمهات ولكن الغيرة هي أحد وأهم أسباب العراك بين أفراد الأسرة فلذلك ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الأولى من عمره أكثر من الاهتمام بصحته الجسدية حيث أن الكثير من الأمراض الجسدية التي تصيب الطفل في تلك المرحلة تكون نتيجة سوء صحته النفسية. وأرى من وجهة نظري أن الغيرة تسلب قدرة الطفل وفعاليته وحيويته كالسرطان للجسد ويمكن للوالدين عن طريق معرفه مظاهر الغيرة ودلائله تشخيص المرض عند أطفالهم ومحاولة علاجها قبل أن تكون سبب مدمر لمستقبل وحياته الأطفال على المدى البعيد.
المراجع:
1 - محمد عثمان نجاتي، القرآن وعلم النفس، دار الشرق ، بيروت، 2005م.
2- عبد العزيز القومي، أسس الصحة النفسية، مكتب النهضة المصرية، القاهرة، 1975م.
3- عبد المنعم الميلادي- مشاكل نفسية تواجه الطفل- مؤسسة شباب الجامعة- الإسكندرية- 2006
4- حامد عبد السلام زهران- علم النفس نمو الطفولة والمراهقة- عالم الكتب- القاهرة- 2001
5- محمد أيوب شحيمى- مشاكل الأطفال كيف نفهمها؟- دار الفكر- بيروت- 1994