رواية بين القصرين لنجيب محفوظ
تعتبر رواية بين القصرين هي الجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة والتي حازت على جائزة نوبل للأدب "بين القصرين"، "قصر الشوق"، و "السكرية"، ويقوم أسمها على اسم أحد شوارع القاهرة العتيقة التي تميل إلى المستويات الشعبية وهي تتحدث عن الفترة التي تحدث قبل وأثناء ثورة 1919م وتعتبر الرواية عن منطقة الحسين وهي التي تدور حولها جميع احداث الرواية.
الشخصيات الرئيسية للرواية:
١- شخصية السيد أحمد عبد الجواد
هي الشخصية المحورية في تلك الرواية حيث أنها مليئة بالتناقضات حيث أنه من الشخصيات المتسلطة التي تقوم على الحزم مع أبنائه وزوجته البيت بين زوجته وأبنائه وقيامه بالليل بزيارة الراقصات والعاهرات وشربه للخمر وفي نفس الوقت يقوم في اليوم التالي بالإبتهال إلي الله والصلاة والدعاء ويبكي ويدعي حيث أنه يعتقد ويؤمن بأنه طالما يفعل الخيرات فسيتغاضى الله عن سيئاته كما انه لم يقم بمراعاة صدمة أبنائه فيما يقوم بفعله.
الشخصيات الثانوية للرواية:
١- شخصية فهمي
فهمي الشخصية المثالية صاحبة المثل والقيم حيث أنه كان يقوم على احترام والده حيث يرى أنه القدوة والمثل الأعلى برغم تجبره ولم يستطع أن يغير ذلك في معاملته له وظل حتى النهاية مخلصاً لأبيه، رغم ما رأي في والده من مخالفة لكل المثالية.
٢- شخصية ياسين
نجد أن شخصية ياسين هو أكثر الشخصيات تفاعلاً حيث انه تعرض للعديد من الظروف القهرية التي تقوم على طلاق أبيه من أمه وحياته المشتتة، كما أنه كان يشعر بالمهانة حيث انه يتذكر دائما قيام أمه بإرساله إلى الفكهاني لكي يقوم بإخباره أن يحضر في المساء ويراهم في وضع غير لائق مما أدى إلى تحطم نفسيته وكرهه لأمه كما أنه لم يسلم من والده حيث اكتشف سقوط والده في غرفة الراقصة الكبيرة وبالتالي أخذ أبيه قدوة في العربدة.
٣- أمينة
هي الزوجة المستكينة على أمرها التي توهب نفسها لزوجها وأبنائها وتقوم على تربية ابن زوجها ياسين وتعتبره مثل أبنائها كما أنها تؤمن بشكل كبير بالخرافات.
٤- خديجة وعائشة
لم يتم التركيز عليهم بشكل كبير في الرواية ولكن قامت الرواية بالتركيز على الاختلاف بين شخصياتهم وبالرغم من ذلك فهم لم يؤثرا في الرواية بشكل كبير.
٥- كمال
هو الأبن الأصغر للسيد عبد الجواد حيث انه كان له أثر كبير في الرواية نظراً لبراءته وخبثه الطفولي في الرواية حتى في أكثرها جدية وعصبية.
تحليل البعد الاجتماعي للشخصيات:
نجد أن المهن التي توجد في الرواية تقوم على التجارة حيث أن السيد عبد الجواد يعتبر من كبار التجار في منطقة الحسين وتعتبر البيئة الإجتماعية التي تدور حولها الرواية هي بيئة برجوازية متوسطة المستوي. كما أن من ضمن المهن التي توافرت في رواية هي مهنة الرقص وبيوت الدعارة التي كانت مرخصة في مصر بشكل كبير. كما أن نجيب محفوظ قام على اختيار شخصية التاجر أحمد عبد الجواد بطلاً للرواية وابنه الطالب المثقف فهمي، وكان الطلبة في ذلك الزمان والمكان قادة الثورة ووقودها وخاصة أبناء الطبقة القادرة على الإنفاق لتعليم أبنائها. كما أن مستوي المسكن يعتبر متوسط حيث ان الأوضاع الإجتماعية لجميع أفراد الأسرة تعتبر في تلك الفترة هي الطبقة المتوسطة وهي الطبقة السائدة في تلك المرحلة وفي ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر.
زمان الرواية:
هي الفترة التي كانت قبل ثورة 1919 والفترة التي كانت أثناء ثورة 1919. في الحقيقة فقد جاء الزمان من خلال التطرق إلى العديد من المراحل السياسية التي مرت على مصر والتي قامت الرواية بتمثيلها من خلال استحضار الزمن التاريخي الذي يقع ما بين الحربين الأولى والثانية هذا لا يعني انه أهمل الزمن الكوني والموضوعي والنفسي بل أنه اهتم به بشكل كبير ويظهر ذلك من خلال أحداث الرواية. وقد جاءت الحبكة الدرامية بشكل واقعي كبير حيث لا يوجد زحمة في الأفكار ولا يوجد مئات الشخصيات فقد تركزت الشخصيات حول الشخصيات المحورية والأساسية فقط وبالتالي جاءت الحبكة طولية.
مكان الرواية:
منطقة الحسين وهي منطقة بين القصرين وهي إحدى الأماكن الواقعية في الجمالية وهي إحدى المناطق التراثية في المجتمع المصري التي توجد في منطقة الحسين. ويعتبر الإيقاع الزمني للأحداث بطيء بعض الشئ حيث أنه يقوم على التطرق إلى الحياة اليومية لأبطال الرواية وتفسير الاحداث بشكل مبسط.
كما أن الرواية توافر بها عنصر التشويق والغموض بشكل كبير حيث أنها قامت على توضيح الأحداث ببطء مما يضيف عنصر التشويق والإثارة والرغبة في معرفة الأحداث القادمة والرغبة في التعرف على مصير كل شخصية من الشخصيات الأساسية والمحورية والثانوية في الرواية. وبالتالي نري أن الشخصيات تشعر القارئ كأنها حقيقة حيث برع نجيب محفوظ في استخدام أسلوبه الواقعي النقدي.
بالتالي نري أن أغلب الشخصيات من الطبقة الوسطى سواء كانوا تجار، أو طلبه، أو موظفين، أو حرفيين وقام نجيب محفوظ بالابتعاد بشكل كبير عن الطبقات الفقيرة بعض الشئ وهم شخصيات العمال والفلاحين حيث أن ذلك إن كان يوضح فإنه يوضح ظهور الحرية الوطنية فشخصيات الثلاثية واقعية وليست مثالية أو ملائكية. كما أن الأحداث جاءت متوافقة مع الشخصيات مما أدى تسلسل الأحداث بشكل كبير وبالتالي جاءت الأحداث مترابطة وغير مفككة.
تلخيص الرواية:
تقوم رواية بين القصرين على التطرق إلي قصة أسرة من الطبقات المتوسطة التي تقطن في منطقة الحسين والتي يحكمها رب أسرة متزمت لديه شخصية قوية وهو السيد أحمد عبد الجواد و الذي يعتبر هو المسئول الوحيد عن أسرة مكونة من زوجته وأبنائه وهم ( ياسين ، وفهمي ، كمال ، وابنتيه خديجة وعائشة).
1- ثراء عبد الجواد وسلطته في البيت:
وتعتبر تلك العائلة منتمية بشكل كبير إلى الطبقة البرجوازية التجارية حيث أن السيد عبد الجواد يعتبر من أكبر التجار في السوق وهي أسرة متمسكة بالعادات والتقاليد، وتدور العائلة كلها حول رب الأسرة الذي يهابونه ويقدرون ويقومون على احترامه ويعتبر هو الشخصية المركزية والرئيسية في الأحداث.
فتقوم الأسرة جميعها كبيرها وصغيرها نحو الخضوع لرب الأسرة ويقومون على تلبيه طلباته بدون أي معارضة ويقوم الأب على استبدادهم بأسلوبه الصارم الذي يميل إلى التملك وحب السلطة وفرض الرأي، فقد تربت لدي الأسرة رهبه من والدهم واحتراماً له بسبب إيمانهم الشديد بإيمانه وتقواه حيث أنه يقوم على تأدية الصلوات في أوقاتها كما انه رجل تقي.
وبالتالي قامت الأسرة بالحكم على أبيهم ورب أسرتهم من خلال ذلك المنظور كما أنهم رأوا أنه مخلص في حياته الشخصية ولدية جبروت وبطش وسطوة داخل منزله وخارجة وبالتالي تميز السيد عبد الجواد بالبطش والاستبداد على جميع المستويات.
2- قهر الزوجة والأبناء:
وبالتالي تقوم الرواية على الحديث عن الحياة اليومية عن الأسرة وكيف تدور الشخصيات بشكل يومي، فتقوم أحداث الرواية على تسلط الزوج وتدخله في حياة أبنائه فنجد ان خديجة وياسين يتزوجان رغماً عنهم من أشخاص قام الأب باختيارهم لهم ووفقاً لأرادته وبالتالي لم يعرهم أي اهتمام في اخذ أراءهم ولم يصنع لهم أي اعتبارات.
كما أن الزوجة (أمينة) مغلوبة على أمرها وفي حياتها حيث أنها لا تخرج من المنزل أبداً وبالتالي هي مسجونه داخل المنزل ومحصورة ما بين الزوج والأبناء والمنزل ولا تعرف أي شئ عن المنطقة فمتى أرادت أن تخرج يجب أن يصحبها أحد أبنائها الذكور او زوجها وغير مسموح لها بالخروج من المنزل وحدها.
ونرى أن جبروت زوجها السيد عبد الجواد جعلها حتى لا تقوم بالتعرف على مكان ومقر متجره فتقوم باعتبار زوجها سيدها الذي يجب أن تقوم بخدمته حيث أنها تربت على تلك العادات والتقاليد كما أنها عملت على الإعتقاد في جميع ما يدور حول السحر والشعوذة والجن والعفاريت وتؤمن بذلك بشكل تام كما أنها تكن الولاء لسيدنا الحسين وتتمنى زيارته.
3- حادثة أمينة التي صدمتها السوارس:
وفي خلال المرة الوحيدة التي ذهبت فيها إليه لكي تقوم على تأدية الصلاة في وقت سفر زوجها وبعد مرور عشرون عاماً من زواجها والذي لا يبعد كثيراً عن منزلها قامت السوارس بصدمها، وفي تلك اللحظة أدركت أنها ارتكبت جريمة حيث أنه قدمها قد كسرت وزوجها لا يعلم أنها سوف تخرج حيث أنه يقوم بمنعها من الخروج من المنزل حيث أنه يرى أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا إذا طلقت أو توفت وهي من الأفكار المتخلفة والرجعية التي كانت متواجدة في ذلك الزمن الجميل.
وفي تلك اللحظة كادت زوجة السيد عبد الجواد (أمينة) ان تطلق عندما علم السيد عبد الجواد بخروجها من المنزل دون علمه حيث أنه أعتبرها جريمة كبيرة في حقه.
4- حياة ياسين وعائشة وفهمي:
ثم تتوالى الفصول ويأتي دور الأبن الأكبر للسيد عبد الجواد وهو ياسين وهو الأخ الغير شقيق لبقية الأبناء حيث أنه كان نتاج زواج أبية من زوجة أخري كانت تسبق الزوجة أمينة وبالتالي كانت أم ياسين هي الزوجة الأولي للسيد عبد الجواد، وقد تزوج الأبن ياسين مرتين ولكنهما باءا بالفشل.
وتنتقل الرواية إلى الإبنة عائشة التي تعتبر في سن المراهقة وتقوم باختلاس النظر عبر الشباك إلي ضابط شاب يمر يومياً أمام منزلهم وتهواه عائشة بشكل كبير.
ثم تنتقل الرواية إلى فهمي وهو الابن الثاني بعد ياسين والذي يقوم على تبادل النظرات إلى جارتهم الفتاة الحسناء ويقومون بالنظر إلي بعضهم البعض ويتراشقون النظرات على سطح منزلهم وذلك أثناء قيام الشقيق الأصغر له وهو" كمال" بمراجعة دروسه.
وبالتالي نري أن قام نجيب محفوظ بتوضيح وإبراز شخصية الأب رويداً رويداً حيث أن الأب يحب الاهتمام بالمظهر العام ويقوم على رعاية مصالحه وحقوقه والقيام بتماسك الأسرة من خل سيطرته عليهم، كما أنه يقوم على رعاية وحفظ وصون كرامته من خلال حفظ وصون ورعاية أسرته ولكن تلك الحقيقة ليست كاملة.
5- الوجه الأخر للسيد عبد الجواد:
لقد قامت الرواية على توضيح الوجه الأخر لذلك الرجل التقي الذي يقوم على تأدية الصلوات في أوقاتها ويقوم على الجدية والصرامة مع أسرته ويقوم على فرض سيطرته على أسرته من خلال صرامته وشخصيته الجبارة المستبدة وعلى النقيض تماماً تظهر لنا صورة الرجل المنحل من الناحية الأخلاقية الذي يقوم على الاستمتاع بالحياة مع الراقصات والسعي نحو تلبية احتياجاته الجنسية من خلال سهراته التقائه ببائعات الهوى والتقائه بهم في سهرات خاصة وبالتالي لا تتناقض تلك الأمور مع تفسيراته الخاصة بالإيمان والتقوى.
وبالتالي فإن هذا الأمر ينكشف أمام أسرته ولكن ذلك لم يحركه ساكناً حيث أنه يرى انه رمز الصرامة والقوة وبالتالي لا يجب أن ينكسر وبالتالي توضح لنا الرواية مدي استهتار السيد عبد الجواد وعدم رعايته لمشاعر أحد أو لمواجهة أحد.
وبالتالي قام الكاتب نجيب محفوظ على توضيح العديد من الأمور التي تحدث عبر فصول الرواية ومنها كم هائل من التناقضات التي تحتويها الشخصية الرئيسية وهي شخصية السيد عبد الجواد وخاصة في ظل الأحداث التي تحدث كل يوم والأخبار السياسية التي يقوم السيد عبد الجواد بإلقائها على أسرته ومعارفه ويقوم باعتبار نفسه وذاته أنه شخصية وطنيه.
6- الدور السياسي لفهمي ضد الإنجليز:
لا يجب أن يقوم أحد بمناقشته في تلك الأمور وذلك من خلال المواقف النظرية التي تدور حول السياسة إبداء رأية وخاصة عند مطالبة المصريين الإنجليز بالاستقلال، بالإضافة إلى قيام المظاهرات، وحدوث العديد من جرائم الانجليز المحتلين وسقوط العديد من القتلى والجرحى من المصريين المدافعين عن أرضهم ووطنهم ، وتوقيع الهدنة في أوروبا. ومن خلال العديد من الفصول التي تدور حولها الرواية تقوم الرواية على كشف الدور السياسي الذي يقوم به الأبن الثاني للسيد عبد الجواد والتي تقوم الأسرة باكتشافه مع الوقت.
فتقوم الأسرة على اكتشاف ان الأبن الثاني فهمي له العديد من الأنشطة السياسية التي يقوم بها داخل الجامعة، حيث أنه كان عضوا في لجنة الطلبة، وفي إحدى الجمعيات السرية المنتشرة بعد ثورة 1919، كما أنه أحد أبناء الحزب الوطني الذي يؤمن بقضية الخلافة الإسلامية وعودة الخديوي عباس إلى حكم مصر، وقد كان الأبن الثاني فهمي يقوم على الإيمان الشديد والحلم بأن ينتصروا على الألمان لكي يقوموا بالتخلص من الحكم الإنجليزي لمصر.
7- عقاب عبد الجواد لإبنه فهمي:
وبالتالي نري كم التناقض في شخصية الأب الذي يرى نفسه أنه سياسي مخضرم ويقوم على الثورة على إبنه لمجرد علمه أنه منشغل بالسياسة وأنه منغمس بشكل كبير في الحركات الوطنية التي تحدث في مصر من دون أن يحصل على أذن من والدة السيد عبد الجواد حيث اعتبره السيد عبد الجواد أنه خارج عن طاعته لمجرد عدم علمه بما يحدث وبما يقوم به أبنه.
فنجد أن الأب أعتبر أن الأبن خارج عن طاعته لآنه يرى أنه لم يقوم بتقرير مصير أبنه مثل أخوته ولم يقم بالسيطرة عليه ولم يسيطر على اتجاهاته في الحياة، ولم يقم الأبن بطاعة والده بدون مناقشه لكننا نري ان الأبن الثاني فهمي وقف امام جبروت والده وقام بالتصدي له، وبالتالي شعر الأب بالعجز لأنه لم يستطع أن يقوم على سلب اراده أبنائه أو فرد من أفراد أسرته وشعر بخيبة الأمل حيث قام الأبن بكسر طاعته وقانونه داخل المنزل.
8- ثورة المصريين في 1919م:
ثم تقوم الرواية على توضيح ثورة 1919، حيث تقوم على تصوير القاهرة في ثوب جديد بعدما قامت الثورة وقيام الشعب بالوقوف أمام الأعاصير، وبالفعل نجحت الثورة في تحقيق هدف واحد هي الإفراج عن القائد والزعيم السياسي سعد زغلول ورفاقه.
وفي تلك الأثناء قامت المظاهرات مرة أخري وسار فهمي الأبن الثاني للسيد عبد الجواد معها حيث انه طالب في مدرسة الحقوق التي أطلقت شرارة ثورة 1919، وبالتالي كان فهمي يقوم بالإشراف على تجمعات الطلبة كعضو في لجنة الطلبة العليا، ومن بعد ما كان عضواً في اللجنة أصبح هو قائدها فتقدم الصفوف وقاد مظاهرة وفي نهاية الأمر لقي مصرعه في تلك المظاهرة.
9- نهاية الرواية:
وبالتالي مع موت الأبن الثاني فهمي في الظاهرة تنتهي أحداث الرواية التي جاءت من بعدها روايتان أخيرتان إستكمالاً للرواية الأولي وهم روايتي (قصر الشوق والسكرية). حيث نري أن الثلاثية الخاصة بنجيب محفوظ هم أكثر روايات كان لهم شهرة كبيرة في نجاح نجيب محفوظ حيث تم تحويل الثلاثية إلى افلام ومسلسلات حملت نفس الاسم حيث أنها تقوم على تأريخ حياة المصرين في تلك المرحلة التي مرت عليهم فيما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.
تحليل أحداث الرواية:
أولاً تقوم تلك الرواية من خلال أحداثها على الأحداث التابعة وفقاً للأحداث الخطية المتسلسلة حيث أن الرواية تقوم على الحديث وفق معايير دائرية مرتبطة ببعضها البعض وهي حياة أسرة السيد عبد الجواد والتطرق إلى الحياة اليومية التي يعيشونها. كما أن الرواية تقوم على أسس مركبة حيث انها تقوم بالتحدث على الشخصيات بكل موضوعية والتغلغل في مكنون الشخصي وهي شخصية معقدة ومركبة من الشخصيات السهلة التي لا يوجد لديها أي عقد.
ونرى أن العقدة الأساسية التي تقوم عليها الرواية هي عقدة حب السلطة والتحكم وكيف أن رب الأسرة قديماً كان هو أساس السلطة وهو المتحكم في حياة أبنائه وقد كان الأبناء يقدسون الأب في تلك المرحلة ويهابونه ولكن ذلك جعلهم من التعساء في الحياة حيث أن الأب مزدوج الشخصية في النهار يعيش حياة جدية صارمة مع أبنائه وزوجته وفي الليل يعيش حياة ماجنه سافرة مع العاهرات والراقصات وبالتالي سقطت القدوة.
يبدو نجيب محفوظ في روايته روائي واقعي يقوم على تصوير الأحداث بشكل رائع كأنك تراه أمامك فيقوم على تصوير المشهد بشكل أمين ويقوم على خلق أبطال تشعر وكأنهم شخصيات حقيقية على أرض الواقع مليئة بالعواطف والرغبات، كما انه قام على التعبير بشكل كبير عن الوضع اللاإنساني الذي تعيشه المرأة حيث أنها معدومة الشخصية وبلا إرادة فهي مجرد انثي تقوم بالتحول إلى ماكينة للإنجاب فقط لا غير وخادمة تقوم على رعاية الأبناء والزوج.
اللغة المستخدمة في الرواية:
وجاءت اللغة التي استخدمها نجيب محفوظ هي لغة متعمقة حيث أنه قام بدراسة الفلسفة بشكل كبير مما أدى إلى مساعدته في التوضيح والتلميح عن بعض القضايا التي تمس المجتمع بطريقة غير مباشرة ورمز لها ببعض الرموز كما انه قام بالخلط بين العامية والفصحى، وقد جاء المكان مناسب بشكل كبير مع الحقبة التاريخية التي توضح أصالة المصريين في تلك المرحلة حيث أن المكان الذي تمت فيه الرواية هي الحارة الشعبية وقد قام نجيب محفوظ بالعمل على الإلمام بجميع تفاصيل الرواية وربطها ببعضها البعض.
تحليل ونقد الرواية:
ومن خلال ما سبق نري دور نجيب محفوظ في تلك الرواية كبير ورائع حيث انه عمل على وضع لمساته في تلك الرواية بشكل اثار إعجاب القراء وما دل على ذلك هو تحويل تلك الرواية والثلاثية كاملة إلى أفلام عربية ومسلسلات لاقت نجاح كبير. كما أن رواية بين القصرين تقوم على تأكيد رأي نجيب محفوظ في العديد من الأمور والتي منها أنه يرى أنها لها خط سير معين للأحداث يمكن تلخيصه في كلمتين وهو انه الصراع بين تقاليد ضخمة ثقيلة تقوم على السيطرة وحب السلطة وبين الحرية في مختلف أشكالها السياسية والفكرية.
وبالتالي أجد من وجهة نظري أن نجيب محفوظ قد عمل على حبكة الرواية وصناعتها بشكل قوي حيث انه اعتنى بمعمارها الفني وتقنيتها الخاصة، فقد قام نجيب محفوظ على توفير البنية الأساسية للرواية من خلال المستلزمات الخاصة بها والتي توضح مدي ارتقاء هذه الرواية وارتقاء الذوق الروائي العربي من جهة أخرى. كما أنه قام بتناول الموضوع بشكل قصصي رائع من خلال قيامه بتوضيح خصائص الشخصية في التناسب والتلاحم مع الصياغة اللغوية ولغة الحوار التي تواكب كل شخصيته، كما اهتم نجيب محفوظ بالعديد من الأمور الأخرى ومنها أنه أعطي الرواية وكل عنصر لها من عبقريته وعواطفه وفنه وخياله.