تتحدث رواية "البوسطجي" عن ناظر مكتب بريد اسمه عباس ينتقل للعمل في قرية كوم النحل بأسيوط، ولكنه يقع في عداوة مع عمدة القرية بسبب خلاف حول البيت الذي يقيم فيه عباس أفندي. يتطور ذلك الخلاف والعداوة إلى جعل أهل القرية يتقدمون ببلاغ تلو الأخر ضد عباس أفندي الشاب القاهري الذي لم يعتد تلك المعاملة. يدمن عباس الكونياك ويقرر الانتقام من أهل القرية عن طريق التجسس على جواباتهم ورسائلهم حتى يشغف اهتمامه قصة جميلة وخليل.
مؤلف رواية البوسطجي:
كتب تلك الرواية الكاتب المصري يحيى حقي (1905 - 1992) وهو من أشهر الكتاب المصريين للروايات والقصص القصيرة. تخرج يحيى حقي من كلية الحقوق حيث درس القانون ليعمل بعدها في المحاماة والدبلوماسية. كتب يحيى حقي العديد من الروايات مثل "قنديل أم هاشم"، "دنيا"، "فكرة فابتسامة"، "سارق الكحل"، "أم العواجز" و "البوسطجي".
الشخصيات الرئيسية بالرواية:
عباس: هو البوسطجي الجديد الذي تم نقله من القاهرة ليعمل بكوم النحل بأسيوط.
العمدة: هو كبير القرية وشخص يكره عباس ويطمع في المنزل الذي يسكن فيه.
جميلة: هي بنت من بنات القرية تحب شاب يدعى خليل وقد حملت منه سفاحا.
والد جميلة: هو شخص جامد متزمت يرفض زواج ابنته من خليل بسبب الاختلاف في المذهب الديني.
خليل: هو الشخص الذي يحب جميلة في السر.
بلاغ ورا بلاغ:
قدم حسني أفندي إلى مكتبه بخطوات سريعة متلهفة، باحثا عن البلاغ الذي بيد الغفير، وعندما أخذ الجواب وبدأ في قراءته أخذت ملامح وجهة في التغير ما بين السعادة والغضب والسخرية، حيث لم تكن فصاحة البلاغ هي السبب ولكن المكر الخفي بين السطور هو السبب، واتضح له من القراءة أهمية البلاغ حيث أن البلاغ ضد ناظر البريد الذي تربطه عداوة مع العمدة حول البيت الذي يسكن به الناظر ويملكه العمدة، اتجه حسني أفندي لمقابلة عباس أفندي ناظر البوسطة، وعندما قابله وجه له الكلام، يا عباس أفندي أنا مثل أخوك وأنصحك بالتصالح مع العمدة في الخلاف الذي بينكم.
فرد عباس أفندي: أن العمدة هو السبب في الخلاف، وأنه لا مجال للتصالح مع هذا الشخص الهمجي، ومع استمرار الكلام بين الطرفين تم شبه الاتفاق حول التصالح بين عباس أفندي وبين العمدة.
في اليوم التالي وعندما علم عباس أفندي عن البلاغ توجه نحو حسني أفندي بكل حزن وغضب للتعرف على محتوي البلاغ المقدم ضده، وعندما دخل المكتب على حسني أفندي أخذ يتحدث بكلمات تملؤها الغضب، فقام حسني أفندي باحتواء هذا الغضب بالحديث عن الذكريات والتجارب التي مر بها، وختم الحديث عن قدرته حل هذه المشكلة.
ولم يمض فترة قصيرة على البلاغ الأول، وإذا بموضوع بلاغ جديد ضد عباس أفندي، ولم يكد أن عرف موضوع البلاغ الجديد حتى أصابه الدهشة والعجب والفجيعة من هول الأمر، وبينما هو في الطريق عائد من المحطة في الصباح، وهو راكب على الحمار أخذ يمزق الخطابات التي كانت في حقيبته، وسط ذهول من الفلاحين، حتى انهار بالكامل وسقط عن الحمار مغشياً عليه من التعب، فحمله الناس إلى بيته في حالة من المرض الشديد، وتوجه إليه حسني أفندي عندما علم الأمر ليطمئن على صحته، وعندما دخل إلى منزله، وجده نائم على السرير في غرفة صغيرة مليئة بالتراب، فأمسك يده ليطمئن على صحته، ثم بدأ عباس أفندي في التحدث بكلمات غير مرتبة عن حياته ومستقبله وعن البلاغات المقدمة ضده، فتركه حسني أفندي في التحدث دون مقاطعة على الرغم من عدم ترتيب الكلمات وغموض واضطراب النطق والتسلسل في حديثه.
عباس أصله وفصله:
كانت نشأت عباس في القاهرة ضمن عائلة كلها من الموظفين، عاش خلال بدايات حياته في الثانوية في حالة من الغيرة من باقي الطلاب بسبب حكايات الطلاب حول السفر إلى أهلهم، وظل خلال مرحله دراسته للثانوية العامة يتنقل في شوارع وقهاوي القاهرة مع مجموعة من الأصدقاء، استمر في دراسته إلى أن اقترب من حصوله على شهادة البكالوريا، ارتبك عمل والده وأحيل على المعاش وعادت أخته للمنزل غاضبه، فقرر الخروج من المدرسة وعمل في مصلحة البريد، ثم انتقل كناظر محطة كوم النحل بأسيوط، ومن يوم ما وصلت لهذه البلد أن أكره كل ما بها من شوارع وناس والعيشة اللي عايشنها، بتلك الكلمات بدأت قصته مع تلك البلدة.
كانت دي أول مرة ألبس بدلة البوسطة، ولم ينظر إلى الفلاحين باحترام ونفس الشعور بالنسبة لي، لم احترم أو اتحدث وأجلس مع أي أحد منهم، وتحول عملي في المحطة إلى حالة من الملل التام وأصبحت أعرف كافة الخطابات التي تأتي إلى كوم النحل وأصبحت أحفظ الأشخاص الذي تأتي إليهم الخطابات، وأصبح لدي حالة من الكره التام للبلد كلها وللعمل في تلك الوظيفة.
وأصبح الكونياك هو العادة التي لجأ إليها عباس أفندي للهروب من الواقع الذي يوجد به، وأخذ بعد انتهاء العمل البحث في الخطابات التي توجد معه ويفتح معظمها لقراءتها ومعرفة ما يدور في تلك البلد المحبوس بها، من قراءتي للجوابات تعرفت على أم أحمد وهي سيدة متوسطة العمر تأتي يومياً لتسأل على جوابات لها، وكان يأتي لها جواب يومياً من مصر، وعندما فتحت تلك الجوابات التي تأتي لها عرفت أن هناك سر في الموضوع أن تلك الجوابات ليست لها حيث أنها مليئة بكلمات الحب والغرام، واستنتجت أن هذه الجوابات لفتاة تدعي جميلة، ولكني لم استطيع فتح الموضوع مع أم أحمد خوفاً من أن ينكشف أمري فقررت السكوت....
جميلة وبنت ناس:
كوم النحل هي أحد القري في أسيوط، لا أحد يعلم سبب تسمية القرية بكون النحل، فهو اسم قديم للغاية مرتبط بها، وتشتهر البلدة بتجارة النحل، ويعتبر العم سلامة أحد تجار النحل المعروفين في القرية، هو مسيحي ارثوكسي، متدين بطبعه، وهو متزوج وله ابنة اسمها جميلة، وهو معتاد أن يأخذ عائلته كلها إلى للكنيسة بشكل منتظم. تنازل الأب عن تعصبه وقرر ادخال ابنته على مدرسة داخلية في أسيوط، وتعلمت جميلة في المدرسة وكانت تزور أهلها في القرية باستمرار في أوقات الإجازات، وعندما أتمت جميلة دراستها في المدرسة قامت المدرسة بتوجيه الدعوة لعم سلامة والد جميلة لحضور حفل تخرج وتوزيع الشهادات، وبالفعل توجه إلى المدرسة وحضر الحفل بكل سعادة وفرحة.
ثم ذهبت جميلة لزيارة خالتها لتمضية أسبوع معها، وخلال تلك الزيارة لخالتها قامت جميلة بزيارة صديقتها المقربة من المدرسة وهي مريم، ولقد تعرفت جميلة خلال تلك الزيارة على أخو مريم وهو خليل، ويعتبر هو الشاب الأول الذي تعرفت عليه جميلة عن مقربة خلال حياتها كلها، وانجذبت إليه بشدة خلال الفترة القصيرة التي عرفته خلال زيارتها لصديقتها.
كان الحديث محدود وصعب في بداية العلاقة بين جميلة وبين خليل، ومع تكرار الحوارات بينهم زاد إعجاب كل منهم للآخر، ومع تكرار هذه المقابلات بين جميلة وخليل وكانت في حالات انفراد كثيرة بينهم نسيا الاثنان نفسيهما ودارت بينهما علاقة كاملة.
وبعد أيام قليلة استدعي خليل إلى وظيفة في مدينة الإسكندرية، ووعدها خليل أن يعود قريباً ويتقدم للزواج بها، وقبل السفر تقابل خليل مع جميلة واتفقا على تبادل الخطابات بينهما، وكتب لها عنوانه في الإسكندرية، واتفقا على أن ترسل هي له الخطابات ولا يرسل لها خوفاً من معرفة والدها بالأمر، وانتهي لقاء الوداع بينهما.
عندما عادت جميلة إلى كوم النحل وفي أحدي مجالس الفتيات تعرفت على أم أحمد وعلى كافة أخبارها من هذا المجلس، وهي امرأة تزوجت أربعة مرات وتطلقت من أزواجها كلهم بعد فترات قصيرة مع كل زوج، وتمتلك قطعة أرض صغيرة، وهي تزولا أغلب بيوت القرية وتعرف الكثير من أسرار البيوت، وهي متواجدة في كافة المناسبات التي توجد في بيوت القرية ما عدا المياتم لأنها لا تطيق التواجد بها.
ونجحت محاولات جميلة في الوصول إلى أم احمد والاتصال بها ومقابلاتها لتحكي لها عن حكايتها مع خليل وكيفية التصرف في علاقتها معه، ووثقت جميلة بأم أحمد ثقة كبيرة للغاية، وأصبحت أم أحمد هي حلقة الوصل في الخطابات التي تتم بين جميلة وخليل، وتأتي كافة الخطابات باسم أم أحمد حتى لا يعرف والدها أو أحد من القرية بعلاقتها مع خليل.
كانت بداية الخطابات بينهم عبارة عن شرح خليل لحياته في المدرسة والظروف التي يمر بها في وظيفته ووعود كثيرة بالزواج، وخلال عدة مراسلات بينهم وصل إليها خطاب منه يخبرها أن انتقل للعمل في القاهرة، ويوضح العنوان الذي يجب أن ترسل خطاباته عليه وهو شباك بريد الفجالة، وكانت الخطابات تتم بانتظام بينهم.
فرحة ما تمت:
بعد مرور شهرين أتي خليل إلى قرية كوم النحل ليخطب جميلة من والدها ليفي بوعوده لها، ونزل خليل على فريب له في القرية، وبالفعل قابل خليل والد جميلة، وطلب الزواج منها، وبضغط من جميلة ومن والدتها على والدها ليقبل عرض خليل للزواج على الرغم من قدوم خليل بدون عائلته أو مهر أو نقود، ولكن تحت الضغط الكبير على الوالد وافق أن يتم تأجيل تلك الأمور لتفرة من الوقت، وأن يعود خليل بعد فترة قصيرة ومعه النقود ليتم عمليه الزواج، ولم يستريح المعلم سلامة للموضوع وللتسهيلات الكبيرة للغاية التي تم تقديمها لهذا الفتي الغريب عن العائلة، وقرر أن يسأل عنه وعن أهله ووظيفته التي يعمل بها، ولم يكن يعلم بالعلاقة التي بين خليل وبين ابنته جميلة، وأن ابنته حامل من هذا الشاب.
بعد رحيل خليل عن القرية استمرت الخطابات بينه وبين جميلة، وخلال تلك الفترة كان عباس أفندي قد بدأ في قراءة خطابات القرية وزاد اهتمامه بالخطابات أم أحمد التي هي في الأساس خطابات جميلة، ولكن لم يعرف عباس أفندي من هي جميلة نظراً لعدم معرفته بأهل القرية، وفي أحد الخطابات علم عباس أفندي بوصول جميلة للشهر السادس من الحمل، وأنها تستعجل خليل للقدوم من أجل الزواج بها.
عندما وصل الرد قام عباس أفندي بقراءة الخطاب بلهفة شديدة لمعرفة ما يوجد به، وعلم من الخطاب أن خليل يشكو لها مشاكله مع ناظر المدرسة وهو ما جعله يتأخر في الرد عليها وأن عليها أن تتنظر قدومه في الصيف، وأنه رجع إلى عمله في الإسكندرية وعليها ان ترسل الخطابات إلى هناك، وعلم حينها بالورطة الكبيرة التي توجد بها الفتاة وشعر بالأسي تجاهها على الرغم من عدم معرفته المسبقة بها.
سقطة البوسطجي:
عندما كان يقرأ الخطاب دخل عليه شيخ الغفر من طرف العمدة، فهب فيه وهو محتقن الوجه غاضب للغاية وكان ختم الربيد في يده، فكان مستعد لغلق الجواب بعد أن انتهي من قراءته، ومع عدم التركيز وقع الحبر من يده على الجواب من الداخل، فخاف أن ينكشف أمره وقرر ألا يسلم الجواب إلى أم احمد، على أمل أن يرسل خليل المزيد من الخطابات في المستقبل.
وعند قدوم أم أحمد لتسأل على خطابات لها أنكر وجود أي خطابات، واحتفظ عباس أفندي بالخطاب لنفسه، وقرر انتظار قدوم الخطاب من خليل، وبالفعل وصل خطاب جيد من خليل وقرر عباس أن يسلم الخطاب دون أن يفتحه، وانتظر كثيراً قدوم أم أحمد ليسلمها الخطاب ولكنها لم تأتي لعدة أيام وعندما قرر الذهاب إليها ليسلم لها الخطاب بنفسه، وجدها قد ماتت، وهو ما أصابه بالذهول من الموقف وماذا يفعل في هذا الأمر الخطير، ودارت في رأسه موقف الفتاة، فأخذ يمشي في الشارع يسأل كل فتاة يقابلها هو أنتي جميلة وهل تعرفي وجميلة، وكان هذا الأمر هو السبب في البلاغ الثاني الذي قدمه العمدة ضده.
ساد الصمت الغرفة التي يوجد بها عباس أفندي وحسني أفندي، وأكمل عباس أفندي حديثه أنه مرض بعد تلك الحادثة وجلس في منزله لمدة أسبوع وجاء شخص من بريد القاهرة ليحل محله، وبعد عودتي إلى العمل وجدت العديد من الجوابات من جميلة ومن خليل ولم أعرف ماذا أفعل في تلك الجوابات، فقررت الاحتفاظ بها.
نهاية الرواية:
نزل عباس أفندي من على السرير الذي يجلس عليه وفتح حقيبته كانت توجد أسفل السرير وأخرج منها الجوابات التي كانت بحوزته من جميله ومن خليل، وأعطاها لحسني أفندي ليتصرف فيها. ساد الهدوء والصمت الغرفة، وانتبه الاثنان لصوت جرس الكنيسة في القرية، يعلن عن حالة وفاة، يكاد الجرس ينطق باسم من توفى وهي جميلة على الأرجح. قد يعبر النحاس في بعض الأوقات عن منتهى حزن وألم الانسان.
تحليل ونقد الرواية:
في الحقيقة، تناقش رواية "البوسطجي" العديد من الأفكار أولها المقارنة بين القرية والمدينة من خلال شخصية عباس الذي ينتقل من حياة المدينة بما فيها من ترف وسهر ومقاهي إلى حياة القرية بما فيها من رتابة، كئابة، وملل في الكثير من الأحيان. على الجانب الأخر تنتقل الرواية لمناقشة فكرة طمع وجشع بعض أهل القرى حيث أن العمدة يطلب من عباس أن يبحث عن منزل إيجار لطمع العمدة في منزل البوسطجي. علاوة على ذلك، قدمت بعض الأفكار من خلال عباس مثل إدمان الكونياك والتجسس على الرسائل وهي كلها أمور غير أخلاقية لا مبرر لها. وأخيرا تناقش الرواية فكرة العلاقات الغير سوية من خلال علاقة جميلة وخليل حيث أنه حب ولكنه في في إطار غير سوي حيث لا يعترف به شرع أو مجتمع كونه سريا.