ملخص تاريخ الأندلس مختصر
لم يقتصر دور الفتوحات الإسلامية على المناطق التي تخص شبه الجزيرة العربية فحسب، إنما امتدت تلك الفتوحات للدول الغربية لتشمل معارك لفتح الأندلس وانبعثت منها أكبر حضارة أثرت في العالم كله وهي الحضارة الأندلسية، فهي إقليم وحضارة إسلامية قامت في أوروبا الغربية وخصوصاً في شبة الجزيرة الأيبيرية تحت ظل الخلافة والحكم الإسلامي، وقد قسمت الأندلس إلى خمس ولايات إدارية بعد فتحها واستقرار الحكم الإسلامي وساد في الحضارة الكثير من المظاهر الإبداعية التي وضحت سياسة وحكم الإسلام في الدول الغربية وكيف كونت حضارة امتدت جذورها عبر التاريخ.
كيف تم فتح الأندلس:
شهدت الأندلس صراعات عديدة مع الممالك المسيحية الشمالية أغلب فترات تاريخها الأندلسي، وتحولت إلى مطاف سياسي غير مستقر ذاك الوقت وظهرت بها مدن عدة وأشهرها مدينة "قرطبة"، ومدينة "إشبيلية"، ومدينة "غرناطة"، وقد تأسست كلاً منهما وفق الظروف الاجتماعية والسياسية التي شهدتها كل مدينة خلال فترة النزاع والصراع، حيث اتبعت كل مدينة مذهب سياسي وتأثرت بالأحداث التي مرت بها من خلافة عباسية وسقوطها والخلافة الأموية وسقوطها ثم إلي عصر المماليك، وبالتالي قد أثرت كل هذه النزاعات في القيم الاجتماعية والسياسية والتعليمية في البلاد إلي أن استقرت الحضارة الأندلسية حتي الآن.
من ثم، اتسعت رقعة الحضارة الأندلسية في المجال الاقتصادي والازدهار الزراعي والصناعي وظهرت المهارات والإبداعات التي اشتقت أصولها من ابداعات الحضارة الإسلامية ومن حكم الحضارة الإسلامية التي انطلقت لفتح العالم بأثرة حتى يسود العدل والحكم الإسلامي في كافة أرجاء العالم العربي والغربي، فعلي الرغم مما كان يفصل بين العصور والمدن من فواصل زمنية ومكانية إلا انها كانت ترتبط جميعا بحضارة واحدة ذات قيم خالدة وسامية وهي الحضارة الإسلامية التي بها ظهر الفن والإبداع في الفنون والبناء والآثار والعمارة وكل الإنجازات التي حققت على الصعيد العالمي مدي رقي وازدهار الحضارة الأندلسية على مر العصور والتاريخ.
تأثير الحضارة الإسلامية في الأندلس على النهضة الأوروبية:
كانت أوروبا تعيش حياة شاقة وقاسية_ خلال القسم الأكبر من القرون الوسطي الأوروبية_ على الرغم من ظهور مجموعة قوي سياسية في بلدانها، فقد امتلأت هذه القرون الأوربية بمظاهر الهبوط الفكري والثقافي، وبقيت تلك الحالة البائسة في كافة أرجاء المدن الأوربية، إلا أن دخل المسلمون الأندلس حين كانت تنسحب نحو ظلام وجهل دامس، ولم يكن هذا الفتح الإسلامي بغرض الاحتلال بل كان همساً حضارياً جديداً يلمس زوايا بلاد الأندلس.
مثلت الحضارة الإسلامية في الاندلس منعباً للعناية بالعلوم والفنون وزهو الثقافة الإسلامية وفق تعاليم الإسلام، فقد اتسعت حركة الازدهار في بناء الطرق والمساجد والقصور، كذلك ظهر ابداعات في المجالات الحربية والجغرافية والفلكية وكذلك الطبية، حيث فكر المسلمون في تحرير إسبانيا من التخلف السائد في دول أوروبا وقاموا بطرد البيزنطيين منها ومن شمال افريقيا بوجه عام، وشاعت مظاهر الحضارة الإسلامية داخل بلاد الاندلس وظهور طوائف عدة تعاونت مع العرب عقب تحرير شمال افريقيا، فقد امتزجت حضارات سابقة كالرومانية والقوطية مع حضارة راقية جديدة وهي الحضارة العربية الإسلامية؛ وهذا ما أدي لتكوين حضارة اندلسية مزدهرة أثرت في الحياة الأوربية بأثرها وتركت آثار عميقة لازالت تنشر مظاهرها في كل أرجاء قارة أوروبا.
ويمكن القول بأن حركة اسبانيا استقرت عقب استقرار العرب والبربر مع سكان البلاد، وأصبحت الحضارة الاندلسية تمر بأدوار خاضعة لمؤثرات حضارية والتي تشتق جذورها من أصولها الأم وهي الحضارة الإسلامية في المشرق، وكذلك خضعت أيضاً لمؤثرات حضارية محلية البيئة التي نشأت فيها وبدرجة محدودة، فظهر نظام الإمارة ثم الخلافة على غرار النظم العربية في المشرق، وتم استحداث نظام الوزارة والدواوين التي كانت سائدة في عصور الخلافة العباسية، ومن ثم، تحولت بلاد الاندلس إلي نظام جديد في المجالات الزراعية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بفضل حركة الفتوحات الإسلامية التي مدت خيراتها على جميع مدن حضارة الأندلس والتي كانت اشهرها مدينة قرطبة، وغرناطة، واشبيلية.
ملخص تاريخ مدينة قرطبة:
تاريخ تأسيس المدينة:
قامت مدينة قرطبة عقب تولي الدولة الأموية الحكم للحضارة الأندلسية في تلك الفترة التي دخل فيها عبد الرحمن قادماً من مدينة دمشق متجه إلى شمال قارة أفريقيا ثم الأندلس والتي ازدهر بدت بشكل جديد من الازدهار لتولي الخلافة الاموية الحكم الأندلسي.
قام الأمير عبد الرحمن الداخل بإنشاء قرطبة وجعلها عاصمة الدولة، وقد حث العرب على الزراعة وانشاء المدارس وإعطاء نفوذ لحرية المواطنين؛ وهذا ما سهل امتزاج الطبقات والأعراق المختلفة وسيادة الثقافة العربية والإسلامية، وفي عصر الأمير قام النزاع بين المسلمين والمسيحيين بسبب فرض الفقه المالكي، إلا أن مرت بكثير من الاختلافات التي أثرت بدورها على المدينة لإن قام ملوك الطوائف ومحاولة استرداد البلاد.
مراحل تطور مدينة قرطبة:
مرت مدينة قرطبة بعصور مختلفة جمعت منها ثقافة وقيم وعادات جديدة واستطاعت أن تتحول من مرحلة إلى أخري، وأخذ الحكم فيها على يد الولاة وهم الأمويين على يد القائد" مغيث الرومي"، وهو الذي جعل الأمويين الأندلس وكأنها ولاية تابعة للمغرب، إلا أن الحق بها عمرو بن عبد العزيز وجعلها ولاية عربية تابعة للعصر الأموي، وهو العصر الذي على فيه شأن مدينة قرطبة على يد الأمير عبد الرحمن القادم إلي الأندلس الفار من العباسيين واعتبر العصر الذهبي لمدين قرطبة، حيث مثلت قرطبة عاصمة الأندلس الإسلامية بأكملها وأشهر مدينة على نطاق شبه الجزيرة العربية.
وفي هذا العصر أنشئ بدأ العمل على جامع قرطبة الكبير، إلا أن تعرضت لعدد من الثورات التي مزقت الأمور في قرطبة، لكن استعادت قوتها مرة أخري على يد الأمير عبد الرحمن الثالث وأخذت به القوة لاعتبار نفسه خليفة المسلمين، وبالتالي اعتبرت قرطبة من أهم الدول الأوربية في القرن العشرين، كما كانت منارة للعلم والثقافة في أوربا وملتقي لكثير من الأعمال الثقافية.
كما اشتهرت مدينة قرطبة بصحة المذهب واعتداله وحسن الخُلق والزي بين أفرادها، وكان يوجد بين كل مدينة من المدن الخمسة التي تكون منها مدينة قرطبة سور وتميزت كل مدينة بالأسواق والحمامات والفنادق، وتمتد احواز قرطبة من الغرب إلى أحواز مدينة اشبيلية، بينما تختلط أحوازها من الشرق بأحواز مدينة جيان، في حين تأخذ في جوف المدينة مساحة حوالي ستين ميلاً وهو ما يدل على كبر المدينة وعظمتها واتساعها.
الازدهار الاقتصادي لمدينة قرطبة:
سادت انجازات العصر الاموي في مدينة قرطبة، فقد كان للتعدد الطائفي مزايا في نقل الثقافات الأخرى لحضارة الأندلس وخاصة مدينة قرطبة التي شهدت تطوراً كبيراً على يد الأمويين وفي عصر الأمير عبد الرحمن الثالث وتعددت ألوان الازدهار في المجالات الزراعية والنشاط الصناعي، حيث تجلي ذلك في معالم قرطبة الإسلامية أمثال مسجد الجامع والذي يعد أروع ما أبدعه المسلمين داخل الأندلس، كما شيدوا مدينة تدعي الزهراء والحي اليهودي في قرطبة، وكذلك بنيت قلعة على التراث الإسلامي وسميت قلعة "كالاهوار" وهي قلعة إسلامية تطورت على يد الملوك الإسبان.
كما تجلت الحياة الاقتصادية في الاندلس ككل من خلال الصناعات المختلفة والتي تكون معها طوائف حرفية عرفت باسم الأصناف وأرباب الصناع، وهذا ما استدعي لشغل أكبر طائفة من المواطنين وتطور الحياة الاقتصادية طوال فترات الولاية في مدينة قرطبة.
سقوط مدينة قرطبة:
ظلت الأحداث والصراعات تتوالى على مدينة قرطبة في مختلف العصور، فقد كانت هزيمة الموحدين عام 609هـ بالأندلس في معركة العقاب أولي مراحل سقوط مدينة قرطبة، وفي أوائل عام 1236م اتفقت جماعة من القشتاليين وهم من أهل الحدود المجاورين لشرق قرطبة، حيث كانت قرطبة في ذاك الوقت تنقسم إلى خمس مناطق بينهم سور فاصل لكن تضمهم المدينة وحكمها، فقد أسر الفرسان القشتاليين بعض المسلمين الساخطين من زعمائهم بتنفيذ خطة للاستيلاء على مدينة قرطبة، فقد كانت تمر المدينة بفترة من الانحدار الاقتصادي والثقافي الذي سهل دخول أي عدو، وبالتالي يمكن القول بأن الظروف التي كانت عليها مدينة قرطبة قبل فترة سقوطها هي ضمن الأسباب التي ضمنت الفرصة للفرسان القشتاليين للدخول لقرطبة وفرض السلطة عليها وانهاء الحكم الاموي الذي كان يعد العصر الذهبي لها خلال تاريخها.
ملخص تاريخ مدينة إشبيلية:
تاريخ تأسيس المدينة:
مثلت إشبيلية موضعاً هاماً لكونها كانت عاصمة منطقة إندونيسيا في جنوب اسبانيا، فهي تتربع على ضفاف نهر الوادي الكبير، حيث نشأت هذه المدينة منذ أكثر من ألفي سنة عقب مرور فترة نمو المدينة ذات الشخصية المميزة، فقد كانت اشبيلية مدينة رومانية بعد الانتصارات التي توالت للفاندال والقوطيون في مقاطعة هسبانيا في القرن الخامس والسادس، إلى أن فتح المسلمون تاريخاً لها عقب اعتبارها مركزاً هاماً للمسلمين في الأندلس.
تميزت مدينة اشبيلية أثناء الحكم الإسلامي بشهرتها، حيث أمر عبد الرحمن الثاني ببناء أسطول بحري قوي في أوسط القرن التاسع عشر، وتوالت حركة التوسع داخلها لأن تصل للعصر الذهبي والذي سمي بعصر الطوائف، وكان يبلغ عدد سكانها 703.021 نسمة مما جعلها رابع أكبر مدينة في اسبانيا من حيث عدد السكان.
مراحل تطور اشبيلية:
اتسعت اشبيلية في العهد الإسلامي بشكل كبير، وشهدت في مراحلها الكثير من عمليات الاعتداء الخارجي الذي تسبب في التعرض لكثير من مظاهر القتل والنهب، وبالتالي تأثرت اشبيلية بالنزاعات التي نشبت بين القوي السياسية المختلفة في حضارة الأندلس؛ وقد ساعد على اشتعال الفتنة في مدينة اشبيلية تعدد الأعرق التي تتنمي اليها السكان نظراً لاتساع رقعتها في استيعاب شتي الطوائف السكانية.
لكن على الرغم من تلك الظروف السيئة التي مرت بها مدينة اشبيلية، فإنها انتهت من حكم المرابطين على يد القائد الموحدي واتخذ حاكم الاندلس اشبيلية عاصمة له، وفي القرن التاسع عشر والعشرون عقب استيلاء المسيحين عليها، تم تغير الوضع الإسلامي وتشيد مباني عامة بما في ذلك الكنائس، ثم لحق ذلك عصراً ذهبياً أخر من التنمية التي بلورت الثروة ودعمت استقرار البلاد.
الازدهار الاقتصادي لمدينة اشبيلية:
لقد كان للمسلمين دور في تطور مدينة اشبيلية وازدهار الجوانب الاقتصادية، فقد تركت الحضارة الإسلامية جذورها داخل بلاد الأندلس بما فيها مدينة اشبيلية من معالم تدل على التواجد الإسلامي في المنطقة، حيث شيدت كاتدرائية اشبيلية للمسجد داخل المدينة والتي اعتبرت من بين أكبر جميع كاتدرائيات القرون الوسطي من حيث الحجم والمجال وتم انشاء جامعة اشبيلية داخل الموقع الأصلي، وقد ابتكر المرابطون حينها نظاماً جديداً في تخطيط الأسوار والحياة الثقافية، كما كان للتجارة دوراً هاماً في ازدهار الحياة الاقتصادية بالاعتماد على الاسطول الكبير الذي نجحت مدينة اشبيلية في تكوينه.
كما تضمن مدينة اشبيلية العديد من الأسواق التي جعلت التجارة في المدينة رائجة للغاية وهو ما جعل أهل المدينة يمتلكون أموال عظيمة، وكانت أكثر متاجر المدينة متاجر زيوت، وبطبيعة الحال فقد اشتملت أوساق المدينة على كافة الخدمات من الحمامات والفنادق وغيرها من الخدمات الأساسية التي يحتاجها الأفراد والتجار والعاملين في تلك الأسواق.
ويمكن القول بأن فترة الازدهار لم تطل لضعف ما كانت تعتمد عليه مدينة اشبيلية في محاولة خلق حياة اقتصادية منعشة، ولعل ما تسبب في ذلك هو قلة الفرص المتواجدة وزيادة اعداد السكان في جو من الصراعات الطائفية داخل المدينة.
سقوط مدينة اشبيلية:
تعرضت مدينة اشبيلية إلى أوضاع شتي كان من ضمنها عزو وحصار من قبل فرناندو الثالث، حيث اعتبر هذا الحصار عملية عسكرية أكثر تعقيداً واستمرت حولها واخذ يشتد يوماً بعد يوم، فلم يجد زعماء اشبيلية مفراً من التسليم محاولين أن يقللوا حجم المصيبة التي طرأت على المدينة؛ وهذا ما تسبب في تسليم المدينة بشكل كلي لفرناندو الثالث، وعندما وقع الاتفاق بين الفريقين سلم قصر الوالي ومقر الحكم في اشبيلية إلي ملك قشتالة، وكانت تلك الخطة بين الفريقين، وقضي المسلمون شهراً في ترك المدينة ووقوعها في يد فرناندو الثالث والقشتالين.
وبهذا سقطت اشبيلية حاضرة الأندلس بعد أن ظلت خمسة قرون وثلث القرن تترعرع بالحكم والثقافة الإسلامية التي جعلتها من أزهي المدن منذ أن فتحها موسي بن نصير، وظلت منذ تلك الفترة موضعاً للحضارة، ومنارة العلم، وملقي للعماء والأدباء، لكنها سرعان ما تحولت إلى مكان للكنائس وعاصمة قشتالية نصرانية.
ملخص تاريخ مدينة غرناطة:
تاريخ تأسيس المدينة:
ظهر في الحضارة الأندلسية واحدة من أشهر المدن وهي مدينة غرناطة، وهي إمارة تقع في جنوب الجزيرة الأيبيرية تحت ظل الحكم الإسلامي والتي تأسست على يد ابن الأحمر عقب معركة العقاب التي جاءت نتائجها بسقوط دولة الموحدين، فقد دمرت من قبل على يد فرناندو الثاني وهذا ما دعي اهل غرناطة لاستدعاء ابن الأحمر ليعينوه والياً لها وحاكماً عليها، ومنذ ذلك اليوم وأخذت مدينة غرناطة طوراً جديداً من الرخاء والازدهار والحياة السياسية التي شهدتها المدينة تلك الفترة.
ثم استعد ابن الأحمر لبدء حركة التوسع في نفوذه، فقد حقق انتصارات كثيرة لكن قام فرناندو الثالث بالاستيلاء على جيان من أجل دمج الأراضي التي فتحت في وادي النهر الكبير، وهذا السبب الذي اجبر ابن الأحمر على معاهدة جيان والذي أسلم فيها بسلطة المدينة المسيحية على هذه المقاطعة.
مراحل تطور مدينة غرناطة:
قد شغلت مدينة قرطبة الكثير من الأحداث التي جعلتها تشهد أكثر من عصر للتطور، حيث تحالفت مدينة غرناطة منذ البداية مع مدينة قشتالة التي فرضت عليها الضرائب حتى تحظي على استقلال مستمر لها، وبالتالي فقد احتفظت بثباتها واستقرارها نظراً لما منحته من امتيازات للقشطالين، فقد دعمت الكثير من فتوحاتهم ووثقت العلاقات الخارجية التي جعلت من مدينة غرناطة موقعاً لعيش حياة مزدهرة داخل الحضارة الأندلسية.
من ثم، ساعد وضع غرناطة بموقعها الجغرافي المتميز في أن يوسع المدينة حتى تصبح نقطة تواصل تجارية بين كلاً من المغرب وأروبا، وأصبحت غرناطة بمثابة الملجأ للمسلمين الفارين من حروب الاسترداد، وفي تلك الفترة انتجت الكثير من الثقافات المزدهرة في الإسلام واتضح ذلك في مجموعة قصور الحمراء التي كشفت عن تاريخ تطور مدينة غرناطة.
الازدهار الاقتصادي لمدينة غرناطة:
تميزت غرناطة بالطابع التجاري الذي كان العامل الأساسي في انتعاش الحياة الاقتصادية، فقد تميزت بموقع جغرافي ساعد على استغلال مواضعها في عمليات التجارة والتوصيل، حيث نتج عن سيطرة الإسبان على مضيق جبل طارق قطع الامدادات من شمال افريقيا عن مدينة غرناطة، وبالتالي ظهرت الحيل لديها لتحفيز التجارة بين أوروبا الاطلنطية وحوض البحر المتوسط وهو ما وقع بالنفع على مدينة غرناطة بشكل كبير، ولكن بفضل فتح طرق تجارية جديدة مباشرة تصل بين البرتغال وأفريقيا بداية من بداية القرن الخامس عشر، بدأت غرناطة تفقد مكانتها الاستراتيجية وتبدلت لوضع أقل ذو أهمية أقل.
كما بذلت المدينة الكثير من الجهد لزيادة مصادر الثروة الزراعية والتجارية، وذلك عن طريق استخدام طرق تنظيم دقيق وتوزيع المياه في المناطق الريفية والمنخفضة، وكل تلك التقنيات ساعدت في اكتمال الاقتصاد الغرناطي بالنشاط الرعوي في مختلف المناطق الجبلية والصيد في سواحل المدينة.
سقوط مدينة غرناطة:
كانت عوامل انحدار وسقوط مدينة غرناطة تتداخل إلى حد كبير في كل فترات الضعف في تاريخ الأندلس، فقد كان أهم العوامل هي كثرة المنازعات الداخلية والصراعات التي كانت تجري حول الحكام في الأسرة المالكة؛ وهذا ما أدي بدوره إلى انشغال الحاكم بالمنازعات بعيداً عن أحوال البلاد الاقتصادية وهذا ما أدي للنهاية المؤلمة، كما أن توحد الأعداء أدي إلى خلل النظام الحاكم ومنها إلى سقوط غرناطة.
كذلك ساعد الخلاف بين الملوك المسلمين في تفوق قدرة العدو على الدخول للأندلس بسهولة ومحاولة الاستيلاء عليها، فقد مهدت الظروف لتنفيذ مشاريع العدو وخططهم باقتطاع جزءاً فجزء من الأندلس، ومنها أهمل أمر الجند وتكوين حماية قوية للبلاد تتصدي لأي عدو وكل تلك العوامل اشتركت لتضعف القدرة المتماسكة لمدينة غرناطة.
الخاتمة:
إن التأثير الاخلاقي الذي طبعه المسلمون على بلاد الأندلس وعلى أوروبا كان كبيراً جداً، فقد أسفرت تجارب العرب وتقليدهم عن تهذيب طبائع قبائلنا الغليظة في القرون الوسطي، وامداد الفرسان الأوربيين اسمي العواطف وانبلها دون أن يفقدوا من شجاعتهم شئياً، حيث اعتبرت الحضارة الإسلامية مدرسة لتأثير عظيم على أبناءها الوافدين والقادمين لها وهذا ما تجلي في الفتوحات والعلوم والفنون التي ازدهرت في مدن الحضارة الاندلسية، فقد ابدع العرب مع المزيج الغربي في بناء القصور والجامعات وانتعشت الحياة الاقتصادية والاجتماعية تحت ظل رعاية الحكم الإسلامي. ونظراً لما تم التحدث عنه في مدن الاندلس، وهما قرطبة وغرناطة واشبيلية، فقد حظيت تلك المدن بتاريخ عظيم يروي عبر الأجيال عن مدي تأثير الحضارة الإسلامية في بناء وبقاء تلك المدن على الصعيد الأوربي العالمي، من حيث مراحل تطور هذه المدن عبر التاريخ والاحداث التي اثرت على ازدهارها الاقتصادي والدولي داخل البلاد. من ثم، وصلت الحضارة الاندلسية لمعبراً اساسياً استطاعت من خلاله أن تبني عالماً بأكمله؛ وذلك لما مرت به من مراحل تطور داخلي وخارجي عبر البلدان المجاورة لها، فقد مثلت مدن الاندلس رموزاً للحضارة العريقة القوية التي نظمت قواعدها أثناء عصور الخلافة العباسية والمماليك والامويين.