نهضة اليابان وماليزيا
سياسة النهضة في اليابان وماليزيا:
إن البناء الاستراتيجي للشعوب المتقدمة لا سيما المجتمع الماليزي والمجتمع الياباني، لا يقتصر على بناء جماعات تعيش في إطار اجتماعي واحد تتمتع بالحقوق وتقدم الواجبات وترعي في ظل مجتمع، إنما يعتمد البناء الاجتماعي لماليزيا واليابان على بعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية التي أهلت تلك المجتمعات للقيادة العالمية في دور التكنولوجيا والتقدم في الإنتاج، فتعبر تجربة ماليزيا ونهضتها عن الإصرار المجتمعي للتقدم في مجالات التعليم، ومجالات الإنتاج ورفع مستوي المعيشة، وحققت تقدما هائلاً في المجال التكنولوجي والاجتماعي.
بينما مثلت نهضة اليابان عنوان للتطور الحضاري والأساس المتين في بناء أجيال قادرة على تحدي التكنولوجيات الحديثة، والقدرة على توظيف الكوادر البشرية في مجالات الاكتشافات العلمية والاختراعات بفضل المناهج التعليمية، والسياسات الاقتصادية التي رفعت من تطور وسائل التعليم والإنتاج، ودعمت روح التعاون والعمل والمسؤولية الاجتماعية.
أسباب نهضة ماليزيا:
لقد اعتنقت دولة ماليزية سياسة التنمية الشاملة في المجالات الزراعية، وبعض الحرف الصناعية الجدية، تلك التي جاءت بثمار إيجابية، وأصبحت الصناعات المتوفرة للتصدير تحل محل الصناعات القائمة محل الواردات، وقد عقب ذلك سياسة ماليزيا التي شملت النواحي الأتية:
أولًا: السياسات الاجتماعية:
لقد وضعت ماليزيا نظاما اجتماعيا يرعي العادات الإسلامية، ويبث قيم المواطنة والعدل والمساواة، كما نظمت ماليزيا بعض السياسات التي تحارب البيروقراطية والفساد، ومن تلك السياسات سياسة القيادة التي مثلت الدور المحوري لقاطرة النمو الماليزي، سياسة تدريب القوي البشرية التي ساعدت في الحد من سطوة البيروقراطية والفساد.
ثانيًا: السياسات التعليمية:
مثل التعليم والتدريب القوتان الرئيستان للنهضة، فلقد وجهت نظامها التعليمي للبعثات الخارجية من التعلم والتدرب، وركزت على الانفتاح العالمي من حيث استخدام أساليب تعليمية حديثة وتكنولوجية تدعم ركيزة التعليم في ماليزيا، حيث خصصت ماليزيا 20% من ميزانيتها القومية لخدمة التعليم، والسعي نحو اكتشاف المواهب وتطوريها وإيجاد البيئة المناسبة للعمل، والتأكيد على روح الإبداع والتحفيز من أجل الوصول لمستوي تعليمي يفوق العمليات النظرية إلى مجالات تطبيقية ناجحة.
ثالثًا: السياسات الاقتصادية:
اجتازت ماليزيا خطوة التقدم الاقتصادي في نظامها، فقد اعتمدت على العالميات التجارية المنفتحة على الأسواق العالمية، وتقديم نموذج التنمية الرأسمالية التي تشجع على بناء المشاريع الخاصة، كما قامت بنظام الادجار الإسلامي في ماليزيا، وهو الذي أدي للنشاط الاقتصادي الفعال، ولم تعتمد على الضرائب في القيام بعمليات التنمية الاقتصادية، إنما فتحت مجال السلع والخدمات التي بدورها زادت معدلات الدخل وفعلت النشاط الاقتصادي في الأسواق الماليزية.
أسباب نهضة اليابان:
لقد حققت اليابان نهضة تكنولوجية واقتصادية فاقت التطلعات العالمية في مجال التطورات، بل اعتبرت تحدي في إطار التقدم المجتمعي لدولة اليابان، حيث استطاعت أن تحافظ على تراثها وتقاليدها ومؤسستها القومية والدينية، غير أنها اعتمدت على بعض السياسات التي جعلتها تقود الفكر العالمي المصاحب للتطورات الحديثة، وتأتي تلك السياسة على النحو التالي:
أولًا: السياسات الاجتماعية:
اعتمد الشعب الياباني بعض السياسات الاجتماعية التي تنادي بالمساواة، والعمل الجماعي، والنظام، وتحمل المسؤولية، حيث يعبر الشعب الياباني عن سياسة الجدية والاجتهاد لدي أفراد الشعب، فالجميع سواسية، وتسود معايير الاحترام في القدرات العقلية والطاقات البشرية، غير أن الكل يسعي نحو تحقيق مبادئ التربية وبث القيم الاجتماعية داخل المجتمع، مما أهله لبناء اجتماعي متماسك، يقوم على الوحدة الوطنية التي زالت الفروق العرقية داخل المجتمع الياباني، وجعلته كتله واحدة تقوم على أساس التعاون واحترام الأخر، وتقدير الذكاء والموهبة والابداع، فالشعب الياباني يتمسك ببعض المبادئ التي تخص الحفاظ على الوقت، والادخار، والعمل المستمر.
ثانيًا: السياسات التعليمية:
لقد اعتمد النظام التعليمي الياباني على مبدأ المركزية واللامركزية، فقد توفر اليابان ميزانيات مضاعفة للنهوض بالمجال التعليمي الذي تعتبره أساس التقدم الحضاري لأي دولة، وتقدره باعتباره ذخيرة التحديات التي تواجه المجتمعات العصرية، فقد قدر حجم الانفاق الحكومي الياباني بحوالي 20% من مجموع الدخل الاقتصادي، بحيث توفر تلك الميزانية لخدمة التعليم وبناء المدراس المتطورة، واستطاعت أن تضع نظام تعليمي يدعم روح العمل، ويؤكد على المبادئ النظرية داخل المدرسة، فقد تطبق المدرسة قيم النظافة في الحفاظ على البيئة الداخلية والخارجية للتلميذ، كما تبث كلمات تدل على الإصرار والمثابرة باللغة اليابانية، أمثال" سأعمل بكل جهد"، " سأبذل قصاري جهدي من اجل الوصول لهدفي"، وكلها سياسات تسعي لتحقيق النظام التعليمي.
ثالثًا: السياسات الاقتصادية:
كانت الرأسمالية اليابانية في المقام الأول، تلك سياسة الادخار التي ساعدت الدولة على خلق الثروة الاقتصادية المالية، فقد اعتمدت اليابان على استثمار الزراعة والصناعة، وفعلت دور التصدير الذي عاد عليها بزيادة الدخل المادي، كما قامت الحكومة اليابانية على القطاع الخاص الذي ينتظر بالمقابل مساعدات حكومية تمول المشروعات، وتثري الاستثمار الاقتصادي داخل الأسواق المحلية والعالمية.