مشكلة زواج القاصرات وحلها
لقد اهتم الإسلام بالأسرة بصورة كبيرة ووضع لها مكانة خاصة باعتبارها اللبنة التي يقوم عليها المجتمع السليم، وهو ما جعل الإسلام يناقش كافة قضايا وموضوعات الأسرة بلا استثناء ومن بينها زواج القاصرات، ولقد انقسم الفقهاء في تفسيرهم وشرحهم لزواج القاصرات إلى ثلاثة اتجاهات وهي:
اتجاه إسلامي يبيح زواج القاصرات:
يستند أصحاب هذا الرأي إلى العديد من الأدلة ومنها قوله تعالي (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) "[الطلاق:4]، ولقد استنبط الفقهاء من الشافعية والحنفية أنه وفق تلك الآية فإنها تفيد مشروعية تزويج الفتاة وإن لم تبلغ، كما يستدلون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد تزوج من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ما تزال في سن التسع سنوات، وقد قام سيدنا علي بن أبي طالب بتزويج ابنته أم كلثوم لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما تزال أم كلثوم صغيرة في السن، كذلك قيام عبد الله بن عمر رضي الله عنه بتزويج ابنته وهي ما تزال صغيرة في السن من عروة بن الزبير رضي الله عنه.
اتجاه إسلامي يمنع زواج القاصرات مطلقاً:
ويميل فقهاء هذا الرأي إلى منع زواج القاصرات ويستدلون على أن زواج رسول الله صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ما زالت صغيرة له خصوصيته المتعلقة برسول الله، كما أنه يعتبرون أن أحد شروط الزواج الرئيسية التي لا غني عنها هو الرضا، وهذا الشرط لا يتوفر في حالات الزواج للقاصرات وذلك أنها غير راشدة، كذلك فإن الفتاة الصغيرة لا فائدة لها من هذا الزواج، فالزواج هو معاشرة وسكن للنفوس والتناسل ولا تستفيد الفتاة الصغيرة من تلك الأمور بل أن آثارها السلبية تكون كبيرة للغاية على الفتاة. كما أن بزواج القاصرات فإنه يتم تزويج الطفلة وهي مجبرة وهو يتعارض مع شروط الزواج، كما لا يحق للطفلة اختيار شريح الحياة نظراً لتسلط الوالدين وإجبارها على الزواج وهو أمر يخالف الشريعة الإسلامية.
اتجاه يري أن الأصل في أمر زواج القاصرات هو الإباحة:
يري أصحاب هذا الرأي أنه يجوز لولي أمر الفتاة أن يقيد المباحات وفق المصلحة أو الضرورة. وفيما يتعلق بتحديد سن الزواج فقد رأي بعض الفقهاء بضرورة تحديد سن معين للزواج والتقيد به، ومن أمثالهم الشيخ ابن عثيمين والشيخ يوسف القرضاوي واستدلوا على ذلك أنه يجب على الفتاة تبلغ سن معين من أجل أن تتفهم طبيعة الزواج ومتطلباته وهي لا تتوفر إلا عند سن معين، ولكن هناك اتجاه مخالف من بعض الفقهاء حول تحديد سن الزواج مثل الشيخ عبد العزيز الباز والدكتور مصطفي السباعي وغيرهم، واستدلوا بواقعة زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ما تزال في سن صغيرة.
حلول مشكلة زواج القاصرات:
1. تعد التوعية الإعلامية بين الأفراد والأسر بالآثار السلبية ومخاطر زواج القاصرات من الدوار التي يمكن من خلالها مواجهة تلك الظاهرة السلبية، وتعد كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة هي الركيزة الأساسية التي يمكن من خلالها نشر تلك التوعية على أوسع نطاق ممكن بين الأفراد والأسر داخل المجتمع.
2. إن التشريعات والقوانين المتعلقة بتنظيم الزواج والرقابة الفعالة على تطبيق تلك التشريعات هي من أهم الطرق والأساليب التي تضمن الحد من انتشار زواج القاصرات ومعاقبة كل من يخالف تلك القوانين والتشريعات بما يضمن ردع كل من يرغب في المشاركة في تلك الجريمة.
3. التعليم من الركائز الأساسية التي يمكنها مواجهة ظاهرة زواج القاصرات، فمن خلال التعليم يتم تثقيف الفتيات في سن مبكرة بالآثار السلبية ومخاطر زواج القاصرات من الناحية الصحية والنفسية والاجتماعية، كما أن التعليم يحد من زواج الفتيات في سن مبكرة في ظل تمسكهم باستكمال تعليمهم فيصبح الزواج في سن مناسبة للفتيات.
4. يعد تفعيل دور رجال الدين بصورة أكبر في المجتمع من الأمور التي تسهم بصورة فعالة في محاربة زواج القاصرات، فرجال الدين لديهم صوت مسموع لدي الأفراد والأسر ومن خلال شرحهم لما نص عليه الدين الإسلامي فيما يتعلق بزواج القاصرات يمكن الحد من تزايد انتشار تلك المشكلة.
5. إن للمؤسسات الاجتماعية التي تختص بالدفاع عن حقوق المرأة من الركائز الهامة التي يجب زيادة دورها لنشر التوعية والتثقيف بين الأفراد والسر بمخاطر زواج القاصرات، كذلك الضغط على المجتمع للمطالبة بحقوق الفتيات واتخاذ كل ما يلزم نحو الحد من انتشار المشكلة.