لا يمكن لنا أن نحدد موطن القصة القصيرة باعتبارها نشاطا إنسانيا بدقة، وإن كان أهل كل حضارة يتنازعون بأحقيتهم في القصة باعتبار ولادتها من رحمهم، وإذا تجاوزنا الأساطير باعتبارها تمهيدًا للفن القصصي، فإننا نجد أن عالم الحيوان كمادة للحكي، كان اعتمادًا أساسيًّا في قصص الأمم كلها، فكليلة ودمنة الهندية أو الأمثال العربية أو حتى القصص اليونانية والإغريقية كل ذلك مَثَّل الحيوان فيه دورًا رئيسًا. يرى كثير من الباحثين أن القصص الأوربية في عصر نهضة أوروبا تأثرت كثيرا بالأدب الفارسي ومن هذه الأشكال "الفابولا" أحد الأجناس الأدبية الأولى للقصة، وقد ظهرت في فرنسا منذ منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وحتى أوائل القرن الرابع عشر، وهي أقصوصة شعرية تحمل روح ومعنى الهجاء الاجتماعي.
ظهور القصة القصيرة في الخليج العربي:
ظهرت القصة القصيرة في دول الخليج متأخرة كثيرًا عن بداية ظهورها في دول مثل مصر وبلاد الشام والعراق وبلدان عربية أخرى، ويعود ذلك لأسباب عديدة، أهمها تأخر انتشار التعليم، وضعف الاتصال الثقافي مع العالم الخارجي في فترة ما قبل النفط، إضافة إلى العزلة التي فرضها المستعمر البريطاني على دول الخليج وعوامل أخرى. لم تعرف الرواية والقصة القصيرة كجنس أدبي في فترة ما قبل النفط في دول الخليج العربي. وكان الشعر العربي الفصيح، وهو الجنس الأدبي الذي كان له نظامه من الشعراء الأوائل في هذا القرن.
وقد تناول كثير من الدارسين ومؤرخي الأدب العربي الحديث ونقاده نشأة الرواية والقصة في الوطن العربي، فمنهم من أغرق في بحوثه، لإيجاد جذر عربي قديم للرواية، والقصة مثل الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، الذي قام بأن القصة في الأدب العربي القديم، بدأت منذ العصر الجاهلي في قصص قصيرة ترويها مصادر الأدب العربي كالأمالي والأغاني. ونالت القصة القصيرة في الإمارات عددا ليس قليلا بحال من القراءات النقدية، ومنهجية وانطباعية والتي حاورت الأعمال المحلية من زوايا متعددة. وقام اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بدور ملموس في تنشيط عملية القراءة النقدية للأعمال القصصية القصيرة، خصوصا بتنظيمه أول ملتقى للكتابات الروائية والقصصية في الإمارات عام 1985 شارك فيه عدد من المهتمين بالنقد الأدبي.
خصائص القصة القصيرة في الخليج العربي:
القصة القصيرة ليست مجرد فكرة وليست مجرد حكاية تروي حدث اجتماعيا، أنها مركب معقد، ومن الواضح أن كثير من كتابنا وكاتباتنا لديهم رسالة عامة ويعرفون أن القصة القصيرة وسيلة لإيصال هذه الرسالة، كما يعرفون أن طوال الممارسة قد ينضج العمل الفني من حيث البراعة في التعبير عن أحاسيس لحظة زمنية، ولكن قوانين كتابة القصة القصيرة والتركيبات النفسية والفكرية ولحظات تخلقها النفس البشرية تبقى نادرة.
إن ظهور القصة القصيرة في دول الخليج العربي بصفة عامة يعد مؤشرا مهما في تطور التجربة الثقافية والفكرية، بعد أن بدأت المرحلة التقليدية المرتبطة بفن الشعر تستنفد موروثها من الأساليب والمضامين، حيث استجدت كثير من الموضوعات التي قد لا تتوفر للشعر القدرة على استباطها، الأمر الذي جعل من ظهور فن القصة القصيرة وغيره من الفنون النثرية الحديثة، ظرفاً تاريخيا، حيث يتجه إلى التفاعل مع ما يتدفق في المجتمع من عوامل مختلفة يرتوي منها هذا اللون الفني فتتضح ظواهره.
ومن الواضح أن القصة القصيرة في الخليج العربي قد مثلت شخصية البطل السلبي في بداية مرحلة التحول، ثم عادت لتبرز البطل الايجابي، فالبطل المقهور وحده لا يمثل مرحلة المخاض بكل تغيراتها التي تعيشها المنطقة، ومن هنا برز البطل القادر على أن يقوم بدور جريء ولكنه مقنع في نفس الوقت، نابع من البيئة بكل ظروفها وهمومها، فالزمان والمكان يتفاعلان قويا سريع الإيقاع.
إن البداية القوية للقصة القصيرة في دول الخليج العربي لم تنشا من فراغ، فقد نشأت قوية لان جذورها أصبحت قوية في التربة المهيأة وفي البيئة الخليجية بوجه عام، ولقد عبرت عن كل المضامين التي عبرت عنها القصة الخليجية، أعنى النماذج البشرية والاتجاهات الفنية وان كانت المضامين المرتبطة بالاتجاه الواقعي أكثر ظهوراً لان القصة قد نشأت هنا في مرحلة توارت فيها الاتجاهات الرومانسية.
ولم يعد الاتجاه الفصيح سائداً في لغة الحوار كذلك الشأن في الاتجاه العامي، وهدأت المناقشة بعد أن استقرت عند حدود اللغة الوسطى، لغة الحديث القريب من الواقعية والبعيد في نفس الوقت عن الابتذال، على أن البداية تمثل لنا ما يسمى بالقفزة الزمنية، لان القصة محدودة في الزمان والمكان، فالقفزة الزمنية إذن واردة حتى لا تطول فتقترب من القصة الطويلة وهذه القفزة الزمنية قادرة على ملاحقة الموقف واقتناصه للقاري، وان كان القارئ يشعر بعفوية الحركة في الزمان، فهي في نفس الوقت قادرة على عرض خيوط متعددة لمواقف مختلفة وان كان مجمع هذه الخيوط بيد القصاص لا يختلط.
وعلى الرغم من ذلك فما زالت القصة القصيرة في دول الخليج العربي تقف داخل إطار فني محدد، لم تتطور تقنيا، ولم تأخذ أبعاد القصة في البحرين والكويت من حيث توظيف أسلوب السينما والمسرح، وهي تجارب تنطلق عادة من رفض الحواجز في الخلق الفني، كذلك الاتجاه إلى تجسيد اللامعقول في حياتنا، أو نسيج الصور كالأحلام الواعية وحركة اللاوعي.
فن القصة القصيرة في الخليج:
فن القصة القصيرة بمفهومه الحالي وتقنياته المعاصرة جديد على الأدب العربي بوجه عام، وإرهاصات هذا الفن بدأت في الأربعينات من هذا القرن، ومنذ هذه الحقبة توفر في أقطار الخليج العربي من القصة القصيرة بما يجعل دراستها إسهاما ضرورياً في ميدان الدراسات الأدبية والنقدية. لقد صدرت أكثر من دراسة تناول القصة في دول الخليج العربي إلا أنها كانت تعاني العجز والنقص الذي تعني منه غالباً المحاولات الرائدة من ناحية ولكون كتابها من غير أبناء المنطقة وممن لم يتوفر لهم الكاملة لهذا الفن، خاصة في مجالي طور النشأة وعلاقة هذا الفن من ناحية موضوعية بالمجتمع ومدة قدرة الكاتب على استيعاب خصوصيته. إن اكتشاف لمجتمع لتجربة أدبية أو استحداثه لفن من الفنون يكون خاضعاً لمرحلة تاريخية لها ظروفها ومعطياتها الحتمية النابعة من حاجات حضارية واجتماعية ترتبط بطبيعة تلك المرحلة التاريخية من حيث حجمها، ومدى تأصلها في وجدان المجتمع وخبرته في الحارة والمعرفة.
تاريخ القصة القصيرة في قطر:
عندما نريد أن ندرس القصة القصيرة في قطر فإننا نجد هذا الفن أكثر حداثة هنا، وقد ارتبط ظهورها بظهور الصحافة في قطر التي بزغت في أواخر الستينات. فالقصة القصيرة في قطر حديثة المولد لا تتجاوز بداية السبعينات، ومنذ بداية الثمانينات نجد أن القصة بدأت تأخذ مكانتها في النتاج الأدبي في قطر سواء من حيث الكم أو من حيث الكيف. ونظراً لقصر الفترة بالنسبة لظهور القصة وعدم غزارة الإنتاج فإننا في الحقيقة لا نلمس أو لا نجد أن القصة في بعض بلدان المنطقة. وبالإضافة إلى اكتمال ونضج هذا الفن واتضاح معالمه في العصر الحاضر ونظراً لتبلوره بصورة واضحة في أذهان الكتاب فإننا نلاحظ أن القصة القصيرة قد بدأت في قطر وهي أقرب إلى تحقيق الكثير من الأصول والتقاليد الفنية المتعارف عليها في هذا الزمن بالرغم من أن هذه القصص كما ذكرنا تمثل البدايات بالنسبة لكتابها إلا أن الظروف الثقافية والتواصل الفكري بين أقطار الوطن العربي، واطلاع الشباب على الكثير من النماذج القصصية لكبار كتاب القصة في الوطن العربي قد بلور لديهم معالم هذه القصة، ومن هنا نجد أن النغمة الإصلاحية المباشرة التي اتسمت بها بدايات القصة القصيرة في العديد من الأقطار العربية، هذه النغمة أو هذا النوع من القصص قد اختفى إلى حد ما من تاريخ القصة القصيرة في قطر بسبب العوامل والظروف التي ذكرناه. وإذا بدت خصائص النزعة الإصلاحية بارزة عند بعض الكتاب إلا أنها مغلقة بخصائص الاتجاه الرومانسي كما سيتضح.
الجوانب الاجتماعية للمجتمع القطري من خلال القصة القصيرة:
لا شك أن دراسة الجوانب الاجتماعية للمجتمع القطري من خلال القصة القصيرة يمكن أن تعكس لنا صورة هذا المجتمع ومشكلاته. وقد اهتم فرع حديث من فروع علم الاجتماع بمثل هذه الدراسات وهو علم اجتماع الأدب الذي يستمد مناهجه وأدواته التصورية وأطره الفكرية وقضاياه النظرية من دراسة الأدب بوصفه ظاهرة من ظواهر المجتمع. ويترتب على ذلك أن قضية التحليل الاجتماعي للأدب تعني البحث النقدي الدقيق في الصلة بين الأدب والمجتمع، وبعبارة أخرى الرابطة التي تربط الظاهرة الأدبية بكافة مكونات البناء الاجتماعي والثقافي.
وبما أن الأدب ظاهرة اجتماعية، فلا يمكن أن يفهم منعزلاً من السياق التاريخي والحقيقة التاريخية التي ظهر فيها، كما لا يمكن أن يفهم منعزلاً ومتجرداً من الطابع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السائد خلال الحقبة المعينة ومعنى هذا يتعين لفهم الظاهرة الأدبية أن نردها إلى التغيرات الاجتماعية والثقافية التي لحقت بالمجتمع في فترة تاريخية محددة. وقد يكون البناء الفني للعمل الأدبي موضع ملاحظة سواء كان قصية أو غير ذلك. فالمهم هو المضمون الفكري وحركة الحدث كما يعكس ذلك بجلاء الأستاذ ماهر حسن فهمي في بحثه على خصائص القصة القصيرة في الأدب القطري.
وهو يذهب إلى القول بأن المحور الأول الذي تدور حوله القصة في دول الخليج عموماً وفي قطر بطبيعة الحال هو المحور الاجتماعي الذي يتناول العادات والتقاليد في مرحلة التغير الحضاري التي تعيشها المنطقة، وهي مرحلة مرت بها بقية المنطقة العربية من قبل وعكست آثارها على النتاج الأدبي. والتجارب الذاتية هي في صميمها تجارب اجتماعية ما دام الفرد يعيش وسط جماعة مؤثراً ومتأثراً، بل هي في بعض المواقف تجارب إنسانية عامة. وإذا كان الموقف الشديد الذاتية أو المحدود يمكن أن يكون محور قصة قصيرة ناجحة في يد قصاص ماهر يعتمد على البناء المحكم والعرض المشوق، فإن الموقف الاجتماعي أوسع رؤية لأنه يحيط بدائرة أشمل ويلتقط صوراً لقطاع عربي نرى فيه وجهنا ونرى فيه ماضينا أو حاضرنا ومستقبلنا.
والمحور المركزي الذي تدور حوله القصة القصيرة هو المحور الاجتماعي الذي يتناول العادات والتقاليد في مرحلة التحول التي يمر بها المجتمع القطري نتيجة الانقلاب السريع في الحياة الاجتماعية في أعقاب ظهور البترول الذي كان بمثابة الجسر الذي عبر عليه القطريون من الماضي إلى الحاضر، فقد كان المجتمع القطري حتى أوائل الخمسينيات على حالة من البداوة إلى أن بدأت عائدات الثروة النفطية تتدفق على البلاد معلنة دخول قطر مرحلة جديدة من مراحل التطور الاقتصادي.
ونتيجة للتغير السريع في الحياة الاجتماعية في أعقاب ظهور البترول تحولت المنطقة إلى منطقة جذب سكانية وفدت إليها أنماط من السكان للاشتراك في مشاريع التنمية بحضارتهم المختلفة وعاداتهم وتقاليدهم. كما بدأ القطريون بالسفر إلى الخارج والاحتكاك بالبيئات الأخرى عن طريق السياحة والبعثات، ثم نتيجة الثورة الإعلامية في الترانزستور والتليفزيون والصحافة وتول العالم إلى منطقة مكشوفة. من هنا كان التاريخ القطري شديد الانصياع لمعايير جماعته التي يدعمها التطبيع الاجتماعي الذي يشجع التمركز حول العائلة أو القبيلة والولاء للعصبية وذوي الأرحام وعصبية العادات والتقاليد.
الخاتمة:
إن طبيعة القصة القصيرة في دول الخليج العربي مثل الفن عمومًا، لا تخضع للتعريفات الشاملة المستقرة، حيث إنها ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل، بل هي لون من ألوان الأدب الحديث العربي الذي نشأ أواخر القرن التاسع عشر بماهيته المتعارف عليها الآن، دون الالتفات للتجارب البدائية سواء عربيًّا أو غربيًّا وهذا اللون له خصائص ومميزات شكلية معينة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد جاءت القصة القصيرة في دول الخليج العربي متجاوبة مع المرحلة الحديثة التي بدأ يتعرف عليها المجتمع بكل ما رافقها من عوامل التغير الاقتصادي والاجتماعية وتعد هذه النشأة مؤشراً مهماً في تطور التجربة الثقافية والفكرية في الخليج العربي وصدرت عشرات المجموعات القصصية، وجذبت القصة القصيرة إليها كتَّـابًا كثيرين، لكنها تتنقل بين الرومانسية، والواقعية التصويرية، معتمدة على أسلوب السرد التقليدي، لكنها حققت بعد الخمسينيات على يد كُتّاب مثل الكاتبة كلثم جبر الكواري، الكاتبة نجيبة محمد الرفاعي، الكاتبة عائشة عبد الله، والكاتب جمال فائز وغيرهم كثير.