مقارنة بين قطر إنجلترا في الخدمة الاجتماعية
إن هذا الموضوع من الموضوعات الهامة التي أشغلت الكثير من العلماء والباحثين، حيث عرفت الإنسانية العديد من الأساليب المختلفة من خدمات الرعاية الاجتماعية، ومظاهر متنوعة للجهود الإنسانية الخالصة على مر التاريخ، وقد استهدفت تلك الجهود تقديم العديد من الخدمات، مع قدر كبير من المساعدة لتواجه احتياجات الأفراد، والجماعات والمجتمع بشكل عام. والخدمة الاجتماعية تعتبر إحدى الروافد للرعاية الاجتماعية التي تقدم خدماتها للمجتمع، لتيسير حياة أفراده، وتحقيق تكيفهم معه.
كذلك فإن الخدمة الاجتماعية علم ووظيفة نشأت في العصر الحديث كردة فعل على التحولات الاجتماعية التي أسفرت عنها التقلبات الاقتصادية، وقد ظهرت الخدمة الاجتماعية في الكثير من الدول منها قطر وإنجلترا. تعمل الخدمة الاجتماعية مع الإنسان بهدف تحسين نوعية الحياة الإنسانية عن طريق تيسير العلاقات المرضية بين الناس، وعن طريق العمل على إشباع الحاجات الاجتماعية والمساهمة في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود والتنمية المطلوبة. وسوف أتطرق من خلال بحثي هذا للتعرف على نشأة الخدمة الاجتماعية في قطر وإنجلترا، ومعرفة أوجه التشابه بينهما، والوصول إلى أوجه الاختلاف.
مفهوم الخدمة الاجتماعية
تعددت تعريفات الخدمة الاجتماعية بحيث كل من علماء الاجتماع قاموا بتعريفها من وجهة نظرهم، ومن بينها أن الخدمة الاجتماعية هي: منهج مؤسسي يهدف إلى حماية ووقاية أفراد المجتمع من المشكلات الاجتماعية التي تواجههم ومساعدتهم على الوصول إلى حل لها، ودعم إمكانياتهم حتى يستطيعوا القيام بمهامهم ووظائفهم الاجتماعية، فالخدمة الاجتماعية هي مهنة تعمل على تحقيق الخدمات الإنسانية في إطار نظام اجتماعي يسمى نظام الرعاية الاجتماعية.
تعمل الخدمة الاجتماعية على حل المشكلات الناجمة عن العلاقات الإنسانية، وتعمل على تمكين الأفراد وتعزيز قدراتهم وإرادتهم، فقد تستفيد الخدمة الاجتماعية من النظريات السلوكية والإنسانية والاجتماعية، وتعمل بدقة على تحديد كيفية التفاعل بين البشر وبين بيئاتهم، وكذلك تستفيد من حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
والخدمة الاجتماعية تسعى إلى التعرف على التفاعلات العديدة بين البشر ومجتمعهم، لذلك فان مهمتها هي تقوية قدرات الأفراد على تطوير حياتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية، والوقاية من الاختلافات الوظيفية. فان مهنة الخدمة الاجتماعية يكون كل هدفها هو حل المشكلات والتغيير إلى الأفضل، فينظر للأخصائيين الاجتماعيين بوصفهم ولاء للتغير في المجتمع، وفي حياة الأفراد، والأسر، ومن ثم أيضاً فالخدمة الاجتماعية هي بمثابة نسق متداخل من القيم والنظريات والممارسة.
نشأة الخدمة الاجتماعية في إنجلترا
نشأت الخدمة الاجتماعية في إنجلترا بسبب احتياج المجتمع، فقد مر المجتمع بالكثير من الأزمات والمشكلات الاجتماعية، وقد ظهرت هذه المشكلات في إنجلترا بسبب صراعات داخلية وبسبب تنافس الكثير على السطلة، وبسبب الحروب الكثيرة التي كانت على الدول العربية.
مما أدى إلى التدهور الاقتصادي والاجتماعي بسبب المبالغ الهائلة التي كانت تنفق على الحروب والخسائر في الأرواح التي كانت تتحملها أسر الجنود الذين يموتوا في تلك الحروب، بالإضافة إلى المشكلات الصحية التي تعرضت لها إنجلترا، مما دفع عرض إنجلترا إلى انتشار وباء قاسي أدى إلى القضاء على ما يقارب من نصف سكانها بسبب إصابتهم بمرض الطاعون والذى قتل عدد كبير من العمال ومن العبيد.
وقد قامت الأنظمة الرأسمالية بالسيطرة على العلاقات الاجتماعية في إنجلترا والتي أدت إلى تغيرات واضحة في أحوال المجتمع الإنجليزي فقد أدى ذلك إلى زيادة حجم المؤسسات الصناعية التي عملت على زيادة من طبقة المحتاجين والفقراء والمساكين.
فقد بدأت الثورة الصناعية التي دفعت راس المال إلى استغلال الطبقات العمالية مما نتج عنها ظهور الفكر الاجتماعي الإصلاحي بهدف مواجهة النكبات التي يتعرضون لها والتي تتمثل في المطالبة بحقوق العمال وتقليل ساعات العمل.
فقد ظهر دور الخدمة الاجتماعية في إنجلترا عندما قامت بالمطالبة بحقوق العمال في التأمين وحقوقهم في العمل والمطالبة بعدم استغلال الأطفال في العمالة.
فقد عملت الخدمة الاجتماعية على إنشاء الكيانات العمالية التي تهدف لبناء المجتمع وإصدار تشريعات خاصة بالجانب العمالي، وبعد ذلك كانت دعوة الجوانب الإصلاحية الاجتماعية لمواجهه المشكلات التي تواجه المجتمع والتي اعتبرت من أخطر المشكلات الاجتماعية التي تواجهها إنجلترا.
نشأة الخدمة الاجتماعية في قطر
إن الخدمة الاجتماعية هي جهود إنسانية استهدفت على مدى التاريخ مساعدة الإنسان عند الحاجة والعوز ومن ثم فهي ظاهرة اجتماعية دائمة عاشت عمر الإنسانية كلها وستظل لا تعيش طالما عجزت وستعجز المجتمعات عن إشباع حاجات الفرد الضرورية، ضرورة عجز الفرد أمام حاجاته الاجتماعية المتعددة والمتجددة وضرورة عجز المجتمع عن إشباع هذه الحاجات في غالب الأحيان.
فقد نشأت الخدمة الاجتماعية في قطر نظراً للتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في قطر الذي ظهر في الحصر الحديث، فقد قامت قطر بتطوير الخدمة الاجتماعية وبشكل كبير، فان سياسة قطر هدفها تحقيق المبادئ الاجتماعية، فقد أصبحت قطر في مقدمة الدول التي توفر الخدمات الاجتماعية لأفراد المجتمع، وأصبحت أكثر الدول اهتماماً بالخدمة الاجتماعية ودورها في المجتمع.
فقد أصبحت المؤسسات الاجتماعية تعمل على تقديم الخدمات الاجتماعية الخيرية بالتعاون مع مؤسسات الدولة و مع حكومتها، وتعتمد على تبرعات الأهالي و القطاعات الخاصة.
تعليم الخدمة الاجتماعية في قطر
قد حظي تعليم الخدمة الاجتماعية اهتماماً كبيراً في المجتمع القطري، نظراً لأن المجتمع مر بمراحل متطورة في وقت قصير، وكان من الاهتمام بتعليم الخدمة الاجتماعية للطلاب لكي يقوموا بتثبيت مباديْ الخدمة الاجتماعية، وإقامة العدل والمساواة بين الجميع، والعمل على مساعدة الغير.
فقد اهتمت قطر بتدريس الخدمة الاجتماعية وقامت بإدخالها إلى مناهج وأقسام التعليم في الكليات القطرية، فقد تطورت جامعة قطر وتم إدخال فيها قسم خاص بالخدمة الاجتماعية بكلية الآداب والعلوم، وتقوم الكلية بطرح برامج على مستوى البكالوريوس من بينها برنامج الخدمة الاجتماعية، وبرنامج علم الاجتماع.
أوجه التشابه والاختلاف بين المجتمعين في مجال الخدمة الاجتماعية:
يختلف المجتمع البريطاني عن المجتمع القطري في تعاملاته مع الخدمة الاجتماعية ويمكننا توضيح ذلك من خلال التالي:
أولاً: أوجه التشابه:
1. يتشابه المجتمع القطري مع المجتمع البريطاني في وجود مشكلات اجتماعية أدت لظهور الخدمة الاجتماعية، فقد تعرض المجتمعان لتغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة أثرت في تكوينه.
2. الحكومات المتعاقبة في المجتمع البريطاني والقطري ساهمت بشكل كبير في وضع قوانين تخدم مهنة الخدمة الاجتماعية وتقويها وتثبتها في المجتمع .
3. يهتم المجتمعان البريطاني والقطري بالجانب التعليمي، فقد تم إرساء تعليم المهنة في المعاهد والجامعات في كل من الدولتين.
4. التقلبات الاجتماعية والنظم الاجتماعية في البلدين تشابهت في تشابك العلاقات وتأثرها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي.
5. المؤسسات الخدمية نظام قديم في المجتمعين بحيث ظهر في صورة مراكز الأيتام ورعاية الفقراء.
6. كما أن المجتمعان يتشابهان في حدوث تطور ملحوظ في تعليم الخدمة الاجتماعية.
ثانياً: أوجه الاختلاف:
يختلف المجتمع البريطاني عن المجتمع القطري في قيم ومضامين مختلفة أهمها التالي:
1. تكوين المجتمع البريطاني يختلف تماماً عن المجتمع القطري من حيث قيمه وعاداته وتقاليده وأفراده وثقافته أيضاً، وتقبلهم لمفهوم الخدمة الاجتماعية ففي حالة المجتمع البريطاني تمثل طبقاته اختلاف وتنافر تمام بخلاف المجتمع القطري.
2. الطبيعة الدينية للمجتمع القطري جعلته قريب من فكرة البذل والعطاء والقيم التي تعتمد عليها مبادئ الخدمة الاجتماعية بخلاف المجتمع البريطاني الذي يستمد قيمه من مبادئ الإنسانية وقيمها المعروفة.
3. تأخر المجتمع القطري في استقبال أفكار الخدمة الاجتماعية بسبب طبيعته القبلية والتي لم تكن اكتسبت بعد الحضارة إثر التحولات الاقتصادية بخلاف المجتمع البريطاني الذي يمتاز بسرعة استقبال لتلك الأفكار لتناسبها مع واقعه الاجتماعي وحاجته الشديدة لها في إطار محاربة الفقر والرق والعبودية.
4. المجتمع القطري منشغل بفكر الوظائف بخلاف إنجلترا التي تمثل انفتاح على العالم.
5. المجتمع البريطاني سارع في تطوير المهنة وإرساء دائم وركائز لها من أجل الاستفادة منها في نواحي الحياة المختلفة بعكس المجتمع القطري الذي تشتت جهوده في الاستفادة من الخدمة دون تدعيم حقيقي لممارساتها المهنية.
6. تهتم الحكومة البريطانية بجانب البحث العلمي وتطويره بخلاف الحكومة القطرية التي تساعد على انتشار المؤسسات دون التفات حقيقي لتطوير البحث العلمي.
مؤسسات الخدمة الاجتماعية في إنجلترا:
1. مؤسسة الهلال الأحمر: هي فرع من أفرع الهلال الأحمر الدولي، وهي تشمل جوانب طبية، وتعمل على توفير الرعاية الطبية وتوفير الخدمات والإسعافات الخاصة وغيرها من الخدمات الطبية التي يحتاجها الفقراء والمحتاجين.
2. مؤسسة الإغاثة الإسلامية: هي من اكثر الهيئات أهمية في إنجلترا، فهي منظمة حيوية تعمل على توفير المساعدات للمحتاجين، في كافة أنحاء البلاد.
3. مستشفى الأمل عالي المستوى الدولية: تعمل على علاج المدمنين، فهي تستقبل المرضى وتأهلهم نفسياً واجتماعياً من جديد، وتضم البروتوكولات التي يحتاجها المرضى المدمنين من جميع الجوانب العلمية والاجتماعية التي تمكنهم من إجادة الحلول المناسبة لمشكلاتهم وتوفر جميع أساليب الرعاية الكاملة من أجل علاجهم.
مؤسسات الخدمة الاجتماعية في قطر:
1. جمعية الهلال الأحمر القطري: تأسس الهلال الأحمر القطري، وتم الاعتراف بها دوليا، فإن هدف هذه الجمعية هو القيام بتوعية الأفراد وتوجيه النصح والإرشاد لهم نحو تنمية القدرات البشرية في كافة المجالات، وتعمل على دراسة الظواهر والمشكلات الاجتماعية المتعلقة بالأسرة والمجتمع وتساهم في علاجها.
2. جمعية قطر الخيرية: تأسست جمعية قطر الخيرية للعمل على مساعدة المحتاجين والمساهمة في إنشاء المدارس والمساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم وكفالة الأيتام والأسر المحتاجة، كما تعمل الجمعية على جمع الصدقات والزكاة وتوزيعها على المحتاجين داخل قطر.
3. مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله آل ثاني للخدمات الإنسانية: تعمل على تقديم الخدمات الإنسانية والبرامج التنموية المتميزة التي تحقق التكافل الاجتماعي وترتقي بأوضاع الفئات الأكثر حرماناً وتساهم في نشر الفضائل الأخلاقية والسلوكية.
4. مؤسسة الشيخ جاسم بن جبر الخيرية: قد أنشأت في عام 2001، وتقدم المساعدات الإنسانية للأسر المحتاجة والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، كما تقدم الجمعية المساعدات المادية والعينية لمستحقيها من المحتاجين والفقراء.
5. مؤسسة الشيخ عيد بن محمد الخيرية: تعمل على تقديم الخدمات الإنسانية للمحتاجين والمتضررين من الكوارث، وتقديم الخدمات التعليمية والتربوية والدعوية وأيضاً تساهم في بناء المدارس والمستشفيات والمساجد، وتهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي.
خاتمة:
في نهاية بحثي هذا فقد قمت بالوصول لبعض النتائج وهي أن الخدمة الاجتماعية هي مهنة متخصصة في الجوانب الإنسانية وقائمة على ممارسة النظم الاجتماعية من أجل توفير الرعاية الاجتماعية.
كما أنه يوجد تشابه شديد بين الخدمة الاجتماعية ونشأتها في قطر وفي إنجلترا فقد قامت في كلا من المجتمعين لمواجهة المشكلات الناتجة عن التطور والتقدم الاقتصادي بالإضافة إلى خصوصيات كل مجتمع وطبيعته الخاصة، وأن قطر وإنجلترا يملكون عدة مقومات ساهمت في تطور وتنمية الخدمة الاجتماعية.
فإن الخدمة الاجتماعية هدفها هو مواجهة المشكلات الاجتماعية المختلفة التي يتعرض لها المجتمع، وتقوم الخدمة الاجتماعية بممارسة وظائفها عن طريق مؤسسات وجمعيات الخدمة الاجتماعية المختصة.
فتعمل مع الإنسان بهدف تحسين نوعية الحياة الإنسانية عن طريق تيسير العلاقات المرضية بين الناس، وعن طريق العمل على إشباع الحاجات الاجتماعية والمساهمة في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود والتنمية المطلوبة.
المراجع:
1. احمد كمال، عدلي سليمان_ الخدمة الاجتماعية والمجتمع_ مكتبة القاهرة الحديثة_ القاهرة_ 1963.
2. خليفة محمد البدوي الصافي_ المهارات المهنية للأخصائي الاجتماعي_ المكتب الجامعي الحديث_ 2011 م.
3. طالب محيبس الوائلي_ الإصلاحات الاجتماعية في بريطانيا ( 1802- 1946 ) _ مجلة كلية التربية _ جامعة واسط.
4. عبد الفتاح عثمان وآخرون_ مقدمة في الخدمة الاجتماعية_ مكتبة الأنجلو المصرية_ القاهرة_ 2003.
5. فوزي شرف الدين_ الخدمة الاجتماعية " تحليل المهنة والجذور"_ جامعة بنها .
6. محمد صالح وآخرون_ تاريخ أوروبا في القرن التاسع عشر_ بغداد_ 1985م .