إن العمل هو هدف يسعى إليه الإنسان كضمان لحياته واستمرارها فقيمة الإنسان لا تتحدد إلا بالعمل فالعمل يضمن الحياة الكريمة للإنسان وللأشخاص المسؤولين منه. وفى القرن الثمانينات قد حدث تغيرات عديدة في النواحي الاقتصادية وتمثلت في زيادة معدلات النمو الاقتصادي في الدول الصناعية وزاد معدل التبادل التجاري لدول العالم الثالث والدول الصناعية وانخفض سعر مما انعكس على اقتصاد بعض دول العالم الثالث فارتفعت معدلات البطالة وقلة قدرة الدولة على توفير الخدمات العامة وارتفعت ديونها الخاصة. كما أن ازدادت نسبة المهاجرين من الريف للمدن مما أدى إلى زيادة عدد السكان وقلة فرص العمل لان المهاجرين اغلبهم غير مهيئين للعمل في المدينة وأيضا ازداد الاعتماد على العمالة الوافدة لقلة الأجور المخصصة لهم. وبذلك سوف نتناول في بحثنا هذا تعريف مفهوم البطالة وتاريخ مفهوم البطالة ومجالات استخدام مفهوم البطالة وعلاقة مفهوم البطالة بانتشار الجرائم وعلاقة مفهوم البطالة بالعولمة والتحضر.
مفهوم البطالة:
تعرف البطالة على أنها ظاهرة اقتصادية بدأ ظهورها بوضوح مع ازدهار الصناعة إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية حيث أن العاطل هو كل قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ولكن بدون جدوى مما يتضح أنه ليس كل من لا يعمل عاطل فالتلاميذ والمسنين والمعاقين والمتقاعدين ومن فقد الأمل في العثور على عمل وأصحاب العمل المؤقت ومن هم في غنى عن العمل لا يمكن اعتبارهم عاطلين عن العمل.
تعريف البطالة في اللغة:
أما البطالة في اللغة تعني بطل الشيء يبطل بطلاً وبطلاناً أي ذهب ضياعاً وخسراً فهو باطل. وعلى الرغم من انتشار استخدام لفظ البطالة بمجال الدراسات الاقتصادية والدراسات الاجتماعية إلا انه لا يوجد اتفاق بين الاقتصاديين بخصوص تحديد ماهيته ويرجع ذلك الاختلاف إلى اختلاف الرأي حول تحديد تعريف البطالة التي تعمل على وصف ظواهر عديدة متعددة وأيضا تعني أشياء مختلفة في بلاد مختلفة. فالشخص القادر على مزاولة عمل له قيمة اقتصادية واجتماعية ويسعى إلى الحصول عليه ولا يجده هو الشخص المتعطل عن العمل. ففي معجم مصطلحات القوى العاملة نجد أن البطالة تعرف على أنها عدم توافر فرص العمل للعمال القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه.
تاريخ مفهوم البطالة:
حيث بدأ تاريخ البطالة مع بداية تاريخ الصناعة فلم يكن للبطالة معني في المناطق الريفية البعيدة حيث يمكن أن يتواجد عمال ريفيون ليس لهم الكثير ليعملوه في بعض المناطق التي يوجد بها فائض سكاني.
فلقد برزت البطالة منذ عصر الثورة الصناعية التي انتشرت في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر في إنكلتره وبعدها بقليل في دول البر الأوربي ودول أمريكا الشمالية فادت الثورة الصناعية تحولاً جذرياً في الإنتاج حيث انتقلت العمليات الإنتاجية التي كانت تتم يدوياً إلى الآلة ومن وقتها بدأ يتكون جيش من العاطلين عن العمل.
حيث منذ انتشار الآلة وفقد الحرفيين والصناع المهنيين وعمال الصناعة المنزلية ورشاتهم بأدواتها البسيطة تحت ضغط المزاحمة المتزايدة من جانب المؤسسات المميكنة فأصبحوا بلا مورد رزق وتحولوا إلى عمال مصانع أو انضموا إلى جيش العاطلين عن العمل.
وأيضا فقد المزارعون الصلة بملكية وسائل الإنتاج وأرغموا، إما على التحول إلى عمال زراعيين مأجورين أو عليهم مغادرة أماكنهم المألوفة والذهاب إلى المدينة، والعمل بالأجرة في مختلف المشروعات، ومع ذلك يظل جزء منهم في عداد جيش العاطلين عن العمل.
ففي أثناء الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929-1932م وهي أقسى أزمة شهدها الاقتصاد الرأسمالي تجاوزت نسبة المتعطلين عن العمل فيها 22% من القوى العاملة المسجلة في بريطانية و27% في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن أدت التطورات اللاحقة في بنية الأنظمة الرأسمالية إلى تجديد نفسها واستطاعت بذلك تفادي الأزمات الدورية باستخدام آليات متعددة.
مجالات استخدام مفهوم البطالة:
يستخدم مفهوم البطالة للإشارة إلى المساهمات الأخرى الداخلة في خط الإنتاج والتي لا تكون مستغلة بالكامل مثل سلع إنتاجية عاطلة وأيضا إلى الإشارة إلى الأجير الذي فقد عمله ومصدر رزقه وتعطل عن العمل.
ونجد أن هذا يتماشى مع ما ورد في دائرة المعارف الأمريكية حين أوضحت أن البطالة تشير إلى حالة عدم الاستخدام الكلي بالنسبة للأشخاص القادرين على العمل، والراغبين فيه، والباحثين عنه، ولكنهم لا يجدونه ومن هنا نجد أن البطالة تشمل مجموعات مختلفة من الأفراد، وهم:
• الأفراد الذين لا يعملون.
• الأفراد الذين يعملون في مواسم معينة فقط ولا يعملون في مواسم أخرى.
• الأفراد الذين يعملون بشكل مؤقت بدون الارتباط بموسم معين.
• الأفراد العاملون فعلاً ولكن إنتاجيتهم منخفضة أي البطالة المقنعة.
علاقة مفهوم البطالة بانتشار الجرائم:
حيث أن العديد من مفكري الجريمة والعلوم الاجتماعية قاموا بتقديم تصورات نظرية للعلاقات المحتملة بين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها البطالة وبين السلوك الإجرامي وأن تلك التصورات النظرية قد تركزت في عوامل اقتصادية وعوامل اجتماعية وعوامل نفسية. فمن الناحية الاقتصادية افترض كتيليه أنه يوجد ارتباطاً بين السلوك الأنحرافي والظروف الاقتصادية المختلفة واهمها البطالة بإضافة إلى خروج صغار السن والأمهات للعمل مما يجعل هذا المجتمع يقوم بفرض قوانين تحفظ النظام الاقتصادي وتوقيع العقوبات على مخالفيها مما يؤدي إلى ظهور جرائم جديدة. كما يأتي ودسون ليربط بين الوضع الاقتصادي عامة والبطالة خاصتا وبين انتشار الجرائم ويرى أنه حيث تكون معدلات الجريمة مرتفعة يكون البناء الاقتصادي ضعيفاً الذي يتمثل في إهمال المشاريع الاقتصادية الحيوية، ونمو البطالة، وتزايد معدلات الخراب والتدمير الفيزيقي بسبب الافتقار إلى الخدمات العامة.
علاقة مفهوم البطالة بالعولمة والتحضر:
في القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ظهر اصطلاح جديد هو العولمة ويعتبر هذا القرن الذي نعيشه ملئ بالتناقضات فكل شيء فيه عالمي من ناحية كما أنه من ناحية أخرى شمولي النزعة فكل مذهب أو رأي يدعي أنه الحق المطلق وغيره باطل لا ريب فيه. فالعولمة هي أرادة الهيمنة أو السعي إلى الاحتواء فكان لها الكثير من الآثار السلبية والإيجابية على مجتمعاتنا العربية والإسلامية ونجد أن أكثرها خطورة هو علاقة العولمة بزيادة البطالة بسبب الخصخصة والاعتماد على الوسائل والتقنيات الحديثة واستخدام الحاسوب وأنظمة التحكم مما يؤدي إلى الاستغناء عن القوى البشرية والعمالة ذوي المهارات مما احدث فوضى في الأسواق نتيجة لما تفرزه العولمة من عطالة شديدة لدى الأفراد والجماعات ظهرت عدائية كثير من منظمات المجتمع المدني الغربية وخاصة في الولايات المتحدة للعولمة، واتحادات الشغل التي تراقب أثر عولمة الاقتصاد على معدلات أجور العمال، وعلى نسبة البطالة في الغرب.
حلول مشكلة البطالة:
فلقد أدى النمو السكاني السريع عن طريق الهجرة إلى ارتفاع نسبة البطالة وكثرة الأحياء الشعبية التي تفتقر إلى أدنى مستوى من الرعاية الصحية والاجتماعية بالإضافة إلى أن برامج التنمية الاقتصادية قد عجزت عن تحقيق أهدافها في كثير من البلدان الصناعية وغير الصناعية بسب المشكلات التي سببتها عملية التحضر السريع خاصتا في المدن الكبيرة حيث أن التحضر يفرض متطلبات باهظة التكاليف مثل إنشاء المؤسسات التعليمية والمرافق الصحية والخدمية وبناء شبكات الطرق ومراكز التوزيع والمساكن مما زاد الوضع سوءا في معظم مدن العالم.
ومن هنا نجد أن بعض الحلول لهذه المشكلة تنحصر في عدة أمور منها:
1- العمل على الاهتمام بتوجيه أموال الصدقات والهبات في توفير فرص عمل واكتساب المهارات اللازمة لسوق العمل.
2- الاهتمام بالتوسع في سياسات التدريب وإعادة التدريب للمتعطلين لمساعدتهم في تنمية مهاراتهم وقدراتهم.
3- العمل على تشجيع التقاعد المبكر حتى يتمكن توفير فرص عمل جديدة للشباب وزيادة تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومشروعات القطاع غير الرسمي وإزالة كل ما يعترضها من عقبات.
4- العمل على التركيز على المشروعات والفنون الإنتاجية ذات الكثافة العمالية نسبياً
5- زيادة ترشيد استخدام العمالة الأجنبية من خلال حصرها في مهن محددة.
الخاتمة:
في نهاية البحث أستطيع أن أقول إن قضية البطالة تمثل في الوقت الراهن إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه معظم دول العالم باختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فلم تعد البطالة مشكلة العالم الثالث فقط بل أصبحت واحدة من أخطر مشاكل الدول المتقدمة حيث أن البطالة تشكل السبب الرئيسي لأغلب الأمراض الاجتماعية في أي مجتمع كما أنها تمثل تهديداً واضحاً على الاستقرار السياسي والترابط الاجتماعي فليس هناك ما هو أخطر على أي مجتمع من وجود أعداد كبيرة من العاطلين.
المراجع:
1- محمد عبد الله مغازي، البطالة ودور الوقف والزكاة في مواجهتها، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2005.
2- أ / أكرم سليمان عصفور-مشكلة البطالة الأسباب والمواجهة- دار العربية للنشر- اليمن- 2006م.
3- د. خالد الزواوى- البطالة في الوطن العربي- مؤسسة النيل المصرية- القاهرة- 2000م
4- د. فاتن عامر- البطالة- دار النشر- القاهرة- 2001م.
5- د. سيد عاشور احمد- مشكلة البطالة ومواجهتها في الوطن العربي-مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة- 2002م.